ودليل آخر: أن الطبيعة لا بد لها من أن تكون حية قادرة، أو تكون غير حية قادرة. فإن قيل: هي حية قادرة. قلنا: هذا محال؛ لأن النخلة لو شق ساقها أو موضع الطلع منها، وحشي في جوفها رطب لم يخرج ذلك الرطب إلا بمخرج حي قادر غيرها، فلو كانت النخلة حية قادرة لأخرجت ذلك الرطب من جوفها، ولكانت تطلع في وقت خراجها، وفي غيره. وأيضا فإن هذا الرطب الذي في النخلة وجدناه بعد أن لم نجده، ولا بد من أن يكون أوجد نفسه وهو معدوم، أو أوجده غيره. فإن قيل: أوجد نفسه، فلا بد من أن يوجدها وهو موجود، أو يوجد نفسه وهو معدوم، وإيجاد الموجود محال، وكذلك إيجاد المعدوم موجودا محال، فصح أنه موجود أوجده غيره، وصح أنه محدث، وكذلك النخلة محدثة، وما جاز في النخلة جاز في جميع العالم لما يوجد فيه من الزيادة والنقصان، والتغيير والانتقال، وأنه لا يتعرى من الحالتين الحادثتين، فكلما وجدنا للواحد منه ابتداء وانتهاء كذلك جميعه؛ وما كان بهذه الصفات فهو محدث، علما عقلا ضروريا. ومنهم من يثبت حدوث الصنع، ويثبت له صانعا قديما؛ ويقول: إن الأشياء المصنوعة حدثت من الأصول الأربعة، أو الطبايع، أو العناصر، على اختلاف عباراتهم في ذلك؛ وبه قالت المطرفية، وليس للكلام معهم معنى في أنه محدث، وأن له محدثا قديما؛ لأنا نحن وهم مجمعون على ذلك.
وإنما الكلام معهم في قولهم: إن الأشياء حدثت من هذه الأصول بالتركيب لا بالقصد والعمد من القديم فيما يتولد من هذه الأصول.
صفحة ٧٢