ومنها: الخبر المتواتر كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيء بعدي))، وهذا يعلم ضرورة، وليس كالأول، فلأن أكثر الفرق -فرق الإسلام- يروونه، ويعرفونه، ومنهم من رواه وتأوله، وهذا لا يتأتى فيه الكذب، ولا التواطؤ بين الرواة؛ لاختلاف أديانهم، وأحوالهم، وألسنتهم، وبعد أوطانهم.
ومنها: خبر الآحاد وهو الذي يرويه الواحد، وهو يقبل بحسن الاجتهاد، وتغليب الظن في صدق راويه في الفروع والشرع. فأما في الأصول فلا يقبل خبر الآحاد لكثرة الرواة، وأهل التدليس في الإسلام من المنافقين والباطنية، وغيرهم من أعداء الرحمن، ولتحرصهم على إفساد أصول الدين على المسلمين كما قد رووا: ((سترون ربكم كالقمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته)).
والدليل على أن خبر الآحاد يقبل في الفروع إجماع الأمة على ذلك، وهو أنهم أجمعوا على أن النبيء صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعث العمال في البلاد فيقبل خبر العامل، مثل معاذ بن جبل حيث بعثه النبيء صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن. وأنه كان يكتب إلى من هو منتزح عنه فيقبل كتابه، مثل ما روي عن عبد الله بن حكيم قال: كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل موته بشهر: ((لا تنتفعوا من الميتة بلحم ولا عصب )). وأجمعت الصحابة على قبول خبر الواحد، كقبولهم خبر عبد الرحمن بن عوف في جزية المجوس، وكقبول خبر أبي بكر في إعطاء الجد السدس.
صفحة ٦١