غير أن مذهب الاعتدال - مع هذا - أقرب المذاهب إلى فهم الأخلاق المحمودة في الإسلام، على اعتبار أن خلق الاعتدال فضيلة مستقلة تدل على طبع سليم وعقل رشيد يقدران لكل عمل قدره، ولا يمنعهما الاعتدال أن يذهبا به إلى غاية الكمال، إذا كان له هذا القدر بين أقدار الأخلاق. •••
ومذهب المصلحة الاجتماعية لا يناقض مكارم الأخلاق الإسلامية كل المناقضة ولا يوافقها كل الموافقة؛ إذ مجمل الرأي في الإسلام أن المجتمع يقاس بالدين وليس الدين يقاس بالمجتمع، فقد يسفل المجتمع فتنفق فيه الآراء والأهواء على مصلحة يأباها الدين ويحسبها مضرة أو مفسدة يؤنب المجتمع من أجلها كما يؤنب الأفراد.
وربما كانت مصلحة النوع الإنساني أصدق المقاييس للخلق المحمود في الإسلام، ولكن النوع الإنساني يترقى في العلم بمصالحه حقبة بعد حقبة، ومن حوافزه إلى الترقي أن تكون أمامه أمثلة عليا للأخلاق أرفع من مألوف الأخلاق التي يسترسل معها بغير جهد وبغير رياضة وبغير تربية مفروضة عليه، يعتقد أنه يتلقاها ممن هو أكبر من الإنسان، وأحق منه بالطاعة والإصغاء إلى هدايته وتعليمه.
لا بد من الفضائل الإلهية في تعليم الإنسان مكارم الأخلاق، وما اكتسب الإنسان أفضل أخلاقه إلا من الإيمان بمصدر سماوي يعلو به عن طبيعته الأرضية.
وهذا هو المقياس الأوفى لمكارم الأخلاق في الإسلام.
ليس مقياسها الأوفى أنها أخلاق قوة، ولا أنها أوساط بين أطراف، ولا أنها ترجمان لمنفعة النوع الإنساني بأجمعه في وقت من الأوقات.
وإنما مقياسها أنها أخلاق كاملة، وأن الكمال اقتراب من الله.
وقد يكون الكمال كالجمال مقياسا غير متفق عليه قابلا للتفاوت - بل للتناقض - كما تتفاوت مقاييس العرف وتتناقض في كثير من المعقولات والمحسوسات ... لكننا نقول قولا مفيدا حين نقول إن الإنسان يحب أجمل الوجوه، أو أجمل الشمائل، أو أجمل الخصال، ونقول قولا مفيدا حين نضع الكمال في موضع الجمال.
إلا أن الإسلام يقرن المثل الأعلى في كل فضيلة بالصفات الإلهية،
ولله المثل الأعلى (النحل: 60).
صفحة غير معروفة