لكن اختلفوا في معنى التصديق، فقال أصحابنا: هو العلم. وقال الأشعرية:
هو التصديق النفساني، وعنوا به (1) أنه عبارة عن ربط القلب على ما علم من أخبار المخبر، فهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق (2)، ولذا يثاب عليه بخلاف العلم والمعرفة، فإنها ربما تحصل بلا كسب، كما في الضرويات.
وقد ذكر حاصل ذلك بعض المحققين، فقال: التصديق هو أن تنسب باختيارك (3) الصدق إلى المخبر، حتى لو وقع ذلك في القلب من غير اختيار لم يكن تصديقا وإن كان معرفة، وسنبين إن شاء الله تعالى [قصور] ذلك.
وإن كان الثاني، فإما أن يكون عبارة عن التلفظ بالشهادتين فقط، وهو مذهب الكرامية. أو عن جميع أفعال الجوارح من الطاعات بأسرها فرضا ونفلا، وهو مذهب الخوارج وقدماء المعتزلة والغلاة والقاضي عبد الجبار. أو عن جميعها من الواجبات وترك المحظورات (4) دون النوافل، وهو مذهب أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم وأكثر معتزلة البصرة.
وإن كان الثالث، فهو: إما أن يكون عبارة عن أفعال القلوب مع جميع أفعال الجوارح من الطاعات، وهو قول المحدثين وجمع من السلف كابن مجاهد وغيره فإنهم قالوا: إن الإيمان تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان.
وإما أن يكون عبارة عن التصديق مع كلمتي الشهادة، ونسب إلى طائفة منهم أبو حنيفة.
أو يكون عبارة عن التصديق بالقلب مع الاقرار باللسان، وهو مذهب المحقق نصير الدين الطوسي رحمه الله في تجريده، فهذه سبعة مذاهب ذكرت
صفحة ٥٤