وبذلك يسهل الخطب في الحكم بإيمان أكثر العوام الذين لا يتيسر لا نفسهم الاتصاف بالعلم الذي لا يقبل تشكيك المشكك، فإن علم الطمأنينة متيسر لكل واحد.
وعلى هذا فيكون ما تشعر النفس به من الازدياد في التصديق والاطمئنان عندما نشاهده من برهان أو عيان إنما هو انتقال من (1) أفراد تلك الحقيقة وتبدل واحد بآخر والحقيقة واحدة.
لا يقال: أفراد الحقيقة الواحدة لا تنافي الاجتماع في القوة العاقلة، فإن أفراد الحيوان والانسان يصلح اجتماعهما في القوة العاقلة، وما نحن فيه ليس كذلك إذ لا يمكن اتصاف النفس بحصول علم الطمأنينة وعلم اليقين في حالة واحدة لتضاد هما، ولهذا يزول الأول بحصول الثاني، فلا يكون ما ذكرت أفراد حقيقة واحدة بل حقائق.
قلت: لا نسلم أن أفراد كل حقيقة يصح اجتماعها في الحصول عند القوة العاقلة، بل قد لا يصح ذلك، لما بينها من التضاد كما في البياض والسواد، فإنهما فردان لحقيقة واحدة هي اللون، مع عدم صحة اجتماعهما في محل واحد لا خارجا ولا ذهنا. بقي هاهنا شئ: وهو أنه لا ريب في تحقق الإيمان الشرعي بالتصديق الجازم الثابت، وإن أخل المتصف به ببعض الطاعات وقارف بعض المنهيات عند من يكتفي في حصول الإيمان بإذعان الجنان.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا معنى للنزاع عند هؤلاء في أن حقيقة الإيمان هل تقبل الزيادة والنقصان؟ إذ لو قبلت شيئا منهما لم تكن واحدة بل متعددة، لأن القابل غير المقبول، والعارض غير المعروض.
صفحة ١٠٤