هذه هي الوقائع الحقيقية التي حدثت بالفعل في دراسة واطسون ورينور: لم يكن خوف ألبرت من الفأر شديدا جدا، ولا هو تعمم للتو إلى كيانات أخرى كما يزعم كثيرا في وصف الكتب الدراسية لهذا البحث المفصلي في تاريخ علم النفس، فقد ادعى أيزنك
Eysenck
مثلا أن «ألبرت أصابه رهاب من الفئران البيض، ومن كل الحيوانات ذات الفراء في الحقيقة.»
26
غير أن التوكيد بأن ألبرت أصيب بفوبيا فأر يصعب توفيقه مع استجابته البسيطة للفأر أثناء فترة الاختبار الثاني، وهي استجابة يصفها المختبرون كما يلي: «تقلب على جنبه الأيسر، ثم نهض على أطرافه الأربعة جميعا وبدأ يزحف بعيدا، وهنا لم يكن يصيح، بل للعجب: بدأ في ابتعاده يقرقر ويسجع بتودد حتى وهو يميل بعيدا إلى جنبه الأيسر ليتجنب الفأر.» كما أن تقرير أيزنك عن خوف ألبرت من «جميع الحيوانات ذات الفراء» فيه مبالغة، بالنظر إلى أن استجابته لمثل هذه الحيوانات كان مقدرا فحسب بالنسبة للأرنب والكلب (وحتى هذان - لو تذكر - كانا قد قرنا بالصوت العالي أثناء جلسة الاختبار الثاني). والحق أن مجال الأشياء التي تعمم إليها خوف ألبرت كانت أكثر النقاط تعرضا للتحريف في التقارير اللاحقة عن نتائج الدراسة، فهناك كتب كثيرة جعلت ألبرت يخاف من: قط، قفاز أبيض، فراء ياقة المعطف الفرائي لوالدة ألبرت، وحتى دب لعبة، وربما يكون أغرب تحريف هو أن عددا من الكتب أعادت صياغة نهاية القصة زاعمة أن خوف ألبرت قد تمت إزالته بواسطة عملية «إعادة تشريط»
re-conditioning
أجريت في نهاية التجربة.
لماذا تعرضت قصة ألبرت الصغير لهذه التحريفات مرارا؟ لا شك أن كثيرا من التحريفات قد أدخلت لكي تجعل من قصة ألبرت الصغير «قصة جيدة». ثمة جوانب عديدة لما يشكل قصة جيدة، نجد كثيرا منها في وصف خبرات ألبرت كما دبجها واطسون ورينور: وصف يقدم قصة مترابطة بسيطة لكيف يمكن اكتساب الرهابات، قصة ذات نهاية متسقة (بل سعيدة).
والآن نعرض لهذه العناصر وغيرها مما يشكل قصة جيدة، ويعنينا بدرجة أكبر أن نبين كيف يمكن لرغبتنا في سرد قصة جيدة أن تنال من دقة المعلومات التي نتلقاها عن غيرنا (بالوساطة/بالنقل/بالعنعنة/باليد الثانية). إن كثيرا مما نعرفه في عالم اليوم لا يأتينا من خبرة مباشرة، بل يأتينا مما قرأناه ومما أخبرنا غيرنا. وإن أغلب اعتقاداتنا يتأسس على أدلة لم نجمعها بأنفسنا؛ ومن ثم فإن إلقاء الضوء على الطرائق التي يمكن أن تضلنا بها معلومات العنعنة من شأنه أن يتيح لنا فهما أفضل لمصدر شائع للاعتقادات المغلوطة وغير الدقيقة. (3-1) آليات تكوين قصة جيدة
لكأنه يعمل إزميله في حجر الواقعة، يبرز، ويطمس، حتى يستوي له تمثال ذهنه كيانا ماثلا بالتمام والرونق.
صفحة غير معروفة