من طبيعة الفهم البشري الخاصة أن يفترض في العالم نظاما واطرادا أكثر مما يجده فيه، ورغم وجود أشياء كثيرة في الطبيعة فريدة في نوعها وعديمة النظير، فإن الذهن البشري يخترع لها أشباها ونظائر وصلات لا وجود لها.
فرنسيس بيكون
الأورجانون الجديد 1:45
في عام 1677م كتب باروخ سبينوزا عبارته الشهيرة: «الطبيعة تبغض الفراغ.» لكي يصف مجموعة من الظواهر الفيزيائية، وبعد 300 عام من ذلك يبدو لنا أن عبارته تنطبق أيضا على الطبيعة البشرية فهي أيضا تبغض الفراغ. إن لدينا استعدادا لأن نرى نظاما ونمطا ومعنى في العالم، ونحن نضيق ذرعا ونتبرم إذا وجدنا عشوائية وشواشا ولا معنى. الطبيعة البشرية تمقت انعدام التنبؤ وغياب المعنى، ومن ثم فنحن نميل إلى أن «نرى» نظاما حيث لا نظام، وأن نتبين أنماطا ذات معنى حيث لا يوجد غير الصدفة وتقلباتها.
يرنو الناس إلى شتات الأجرام السماوية فيرون وجها على سطح القمر، وسلسلة قنوات على المريخ، ويصغي الآباء إلى موسيقى أبنائهم المراهقين المعكوسة ويزعمون أنهم يسمعون رسائل شيطانية في موجات الضوضاء المشوشة المنبعثة. وهذا رجل يصلي من أجل ولده المريض مرضا حرجا، فيقع بصره على تعرق خشبي في باب غرفة المستشفى فيزعم أنه يرى وجه المسيح، ويظل مئات الزوار بعد ذلك يتوافدون على العيادة كل عام ويؤكدون التشابه الإعجازي.
3
ويدعي المقامرون أنهم يخبرون تتابعات حارة وباردة في رميات النرد العشوائية ويبدلون رهاناتهم وفقا لذلك.
هذا النزوع إلى إضفاء النظام على المثيرات الملتبسة هو شيء مبيت في الآلية المعرفية التي نستخدمها لفهم العالم، ولعله قد تخلف فينا خلال التطور بسبب صفته التكيفية العامة. إن بوسعنا أن نفيد من الظواهر المنتظمة بطرائق تتعذر علينا في حالة الظواهر المشتتة، وإن استعدادنا لكشف أنماط وعقد صلات هو ما يؤدي بنا إلى الاكتشاف والتقدم، لكن المشكلة هي أن هذا الميل فينا هو من القوة والتلقائية بحيث يجعلنا أحيانا نتبين اتساقا حيث لا يوجد اتساق.
الحق أن كثيرا من الآليات التي تشوه أحكامنا تنجم من عمليات معرفية أساسية جد معينة لنا عادة في إدراك العالم وفهمه بدقة، ومن بين هذه العمليات تركيب المثيرات وتنظيمها. من ذلك أن إجنز سيميلويس
Ignaz Semmelweis
صفحة غير معروفة