كافية، ومما يؤسف له أن لفظة «ارتيابية»
skepticism
قد اكتسبت ظلالا ازدرائية في لهجة حركة «العصر الجديد»
New Age
حيث تمكن مرشدو التفكير الإيجابي من إقناع الكثيرين بأن مطلب «الدليل» شيء مقيد بغير ضرورة؛ فأي شيء - على كل حال - ممكن إذا أنت اعتقدت فيه بقوة كافية، غير أن كلمة «ارتيابية» - رغم ما لحق بها من سوء فهم واسع النطاق - إنما تشير إلى منهج بحث لا أكثر، فالارتيابي ما هو إلا شخص يتطلب دليلا معقولا وتبريرا منطقيا قبل أن يتقبل دعاوى الصدق المبدئية ، والارتيابي هو أيضا ذلك الشخص الذي سوف يعدل اعتقاداته إذا ما ووجه بدليل أكثر حسما. (8-1) فضيلة الشك
الشك نوع من الفكر النقدي كمقابل للفكر الدوجماطيقي الإيقاني، وما نشأ الفكر الحق إلا ليدمغ الدوجماطيقية، وما الفلسفة الأصيلة إلا تمرد على نزعة الموقنين الذين يبدءون تفكيرهم من نقطة معينة يسيرون بعدها سيرا حثيثا سلسا دون أن يقلق خاطرهم تحليل هذه النقطة أو نقدها. هي تمرد على الدوجماطيقية الساذجة عند رجل الشارع المتعصب لآرائه الواثق في ذكائه ثقة مفرطة، وهي تمرد على الدوجماطيقية المادية عند الرجل العملي الشديد الارتباط بالعالم الواقعي الشديد الإنكار لغيره، وتمرد على الدوجماطيقية الدينية عند رجل الدين المتزمت وعند أشباه الفلاسفة من المتكلمين الذين يتخذون نقطة بدئهم من تصور ديني معين يسلمون به تسليما ثم يقيمون عليه بناء استنباطيا شاهقا زاخرا بالتفسيرات الهينة والحلول السهلة لكل مشاكل الفلسفة التي تعترضهم.
يرتبط منهج الشك بالفيلسوف الفرنسي رينيه ديكات، بل إن الشك المنهجي الذي دعا إليه ديكارت يوسم في الأغلب باسم «الشك الديكارتي»، يقول ديكارت: إن أول شيء يجب أن نبدأ به عندما نشرع في التفكير فلسفيا - أي عندما نتفلسف - هو أن نشك في كل شيء لا يرقى إلى اليقين المطلق، عندئذ سوف نجد أن معظم الاعتقادات لا ترقى إلى مرتبة اليقين المطلق. ويواصل ديكارت استدلاله قائلا إن هذا ليس بالأمر المستغرب ما دمنا قد اكتسبنا كثيرا من هذه الاعتقادات قبل أن نصبح قادرين على أن نخضعها للتمحيص العقلي، وعندما نكبر نجد أنفسنا مثقلين بخليط من الاعتقادات الصادقة والكاذبة. إن بإمكاننا عن طريق ممارسة الشك الممنهج أن ننأى بأنفسنا عن هذا الخليط كله لكي نبدأ بداية فكرية جديدة مؤسسة عقليا على أرضية أكثر صلابة، وتتكون هذه القاعدة الصلبة من الاعتقادات التي لا يمكن أن نشك فيها، أي التي «لا تقبل الشك»
indubitable . (8-2) صنفان من الشك
ثمة إذن نوعان من الشك يجب التمييز بينهما تمييزا حاسما:
الشك المذهبي (الفلسفي) عند أمثال فرون وأنيزيديموس وأجريبا وسكتس أمبريكوس، وهم ينكرون إمكان المعرفة ويرون أن البشر يفتقرون إليها وأن كل دعوى تفيد معرفة شيء ما هي دعوى باطلة بلا استثناء. هو إذن شك حاسم ونهائي، حقيقي وأصيل، غاية ومذهب.
صفحة غير معروفة