واعتل سابور ذو الأكتاف بالروم، وكان مأسورا في القد، فقالت له بنت ملك الروم وقد عشقته: ما تشتهي مما كان فيه غذاؤك؟ قال: شربة من ماء دجلة، وشمة من تربة إصطخر! فغبرت عنه أياما ثم أتته يوما بماء الفرات، وقبضة من تراب شاطئه، وقالت: هذا من ماء دجلة، وهذه من تربة أرضك، فشرب واشتم من تلك التربة فنقه من مرضه.
وكان الإسكندر الرومي جال في البلدان وأخرب إقليم بابل، وكنز الكنوز وأباد الخلق، فمرض بحضرة بابل، فلما أشفى أوصى إلى حكمائه ووزرائه أن تحمل رمته في تابوت من ذهب إلى بلده؛ حبا للوطن.
ولما افتتح وهرز بن شيرزاذ بن بهرام جور اليمن، وقتل ملك الحبشة المتغلب - كان - على اليمن، أقام بها عاملا لأنوشروان، فبنى نجران اليمن - وهي من أحصن مدن الثغور - فلما أدركته الوفاة أوصى ابنه شير زاد أن يحمل إلى إصطخر ناوس أبيه، ففعل به ذلك.
فهؤلاء الملوك الجبابرة الذين لم يفتقدوا في اغترابهم نعمة، ولا غادروا في أسفارهم شهوة، حنوا إلى أوطانهم، ولم يؤثروا على تربهم ومساقط رءوسهم شيئا من الأقاليم المستفادة بالتغازي والمدن المغتصبة من ملوك الأمم.
وهؤلاء الأعراب مع فاقتهم وشدة فقرهم يحنون إلى أوطانهم، ويقنعون بتربهم ومحالهم.
صفحة ٤٠٩