22 مارس 2017
حنان قليل
كانت تجلس القرفصاء على بلاط الحمام البارد، وجسمها الضئيل الضامر ينتفض من البرد، وأسنانها تصطك ...
وأخذت تتلفت حولها في الحمام الواسع مذهولة! أهذا هو الحمام؟! لم تكن تتصور أنه يمكن أن يكون في العالم حمام بهذا الشكل؛ فإن الحمام الوحيد الذي رأته في حياتها هو حمام العمدة، وقد دخلته مرة واحدة صدفة، حينما كانت تلعب «المساكة» مع ابنة العمدة، وابنة شيخ الغفر، ودخلت لتختفي في حجرة في آخر الدوار، قالت عنها ابنة العمدة إنها الحمام، ورأت فيه طشتا كبيرا وزيرا، وفنطاسا ضخما في نهايته صنبور صغير، ولم تكن قد رأت صنبورا قط في حياتها، أو حماما، وكان كل ما رأته في دار أبيها طشتا وكوزا من الصفيح، تنقلهما أمها من قاعة إلى قاعة، كلما رغب فرد من أفراد البيت في الاستحمام، وكانت ترى أمها تضع في هذا الطشت نفسه الدقيق لتنخله، وفي موسم الحصاد ترى الطشت مملوءا بالشعير، وفي موسم «الذرة» مملوءا «بالذرة».
وتلفتت حولها في دهشة، ومسحت بطرف جلبابها عينيها الملتهبتين وأنفها، وأخذت تتأمل ذلك الشيء الأبيض اللامع، الذي يشبه الحوض الواسع، والذي لو ملئ بالماء لغرقت فيه، وتلك الصنابير الفضية الكبيرة التي تعلوه.
ورأت حوضا آخر صغيرا معلقا في الحائط، تعلوه أيضا صنابير كبيرة براقة، ورأت شيئا عجيبا أبيض، يشبه الكرسي وليس بكرسي، وشيئا آخر يشبه سلطانية الشوربة، ولكنه كبير الحجم جدا، يتسع لسلق جدي أو خروف.
وكفكفت دمعها وأخذت تتحسس بيديها السمراوين الخشنتين، أرض الحمام الملساء الناعمة، في مثل نعومة الصحن المصنوع من الخزف. - بت يا بهية ... يا بهية!
جاءها صوت رفيع حاد من خلال باب الحمام المغلق، فانتفضت لسماع اسمها، ووقفت مذعورة حائرة ... ماذا تفعل؟
أصبح الصوت الرفيع أكثر حدة، فارتجفت بهية وهي تمسك بأكرة الباب البراقة، تحاول أن تلويها لتفتح الباب، ولكن الأكرة أبت أن تتحرك فألصقت فمها بالباب، وقالت بأعلى صوتها، كما كانت تنادي على أمها في الحقل: ده أنا جوة في اللي اسمه إيه الحمام، مش عارفة أطلع.
ووقفت بهية مشدوهة حينما رأت أكرة الباب تتحرك وحدها ثم ينفتح الباب، ورأت أمامها امرأة بضة نظيفة، ثم رأت يد المرأة ترتفع إلى أعلى، ثم تهوي على وجهها النحيل في لطمة قوية! - انتي قاعدة جوة الحمام بتعملي إيه؟ مين قالك تدخلي هنا؟ - معلهش يا ستي، والنبي يا ستي، ربنا يخليكي يا ستي، مش انا والنبي، ده الراجل عبده اللي عندكم قال لي اقعدي هنا لغاية ما ستك تنادي عليكي.
صفحة غير معروفة