ولم أدر كم مضى من الوقت، لكني صحوت على صوت طرق شديد على باب شقتي، فقمت مذعورة لأرى من الطارق، ورأيت عم محمد البواب يقف لاهثا، ويقول لي في استعطاف: «والنبي يا دكتورة عايدة، الست فيفي تعبانة جوي، وطالبة حضرتك دلوقت.»
ووضعت على كتفي روبا صوفيا، وأخذت حقيبتي، وصعدت مع البواب إلى شقة فيفي، وهناك على السرير الناعم، الذي يبرق بالحرير من فوق ومن تحت، رأيتها ... فيفي التي سحرت لبي بعربتها وملابسها ومالها، تنام أمامي وحول عينيها هالتان سوداوان، وعلى وجهها صفرة بائسة. كانت ترتجف وتئن، ولما رأتني قالت في استعطاف: «أرجوك يا دكتورة أنا عيانة خالص، عندي صداع وحرارة، وجسمي كله بيرتعش، أرجوك تكشفي علي.»
وجلست بجوارها، وأمسكت يدها لأعد نبضها، ومضت لحظة صمت رهيبة، كتمت فيها فيفي أنفاسها، ووقف البواب خلفي، وأحسست كأنه من رهبة الموقف كتم هو الآخر أنفاسه، ووقف في خشوع وإجلال.
ومددت يدي في ثقة، ووضعت السماعة في أذني، ونظر البواب إلى الآلة الصغيرة في خشوع كأنه ينظر إلى شيء سحري إلهي فوق قدرته البشرية، ثم استدار وأعطانا ظهره متأدبا.
وتركت فيفي صدرها تحت سماعتي في استسلام، ونظرت إلي في ثقة وإجلال، كأنني قادرة على منحها الشفاء، في اللحظة التي أسمع فيها دقات قلبها، وأتممت الفحص، وكتبت لها العلاج، ونصحتها بما يجب أن تتبعه.
ورأيت فيفي تبتسم في راحة، وأنا أضع أدواتي في حقيبتي، وأخرجت من تحت وسادتها كيسا، ومدت لي يدها بجنيهين.
لكن تراجعت في إباء وكبرياء، وقلت لها باسمة: «لا، مش معقول، ده احنا جيران!»
نظر إلي البواب مندهشا، ثم أسرع فحمل عني حقيبتي، وسار خلفي في خشوع.
وعند باب شقتي أخذت منه الحقيبة، ثم أغلقت بابي، وذهبت إلى فراشي لأكمل نومي، وابتسمت لنفسي في سعادة، وأنا أحس بدفء السرير، ونمت أحلم بورقتين ناعمتين، كل منهما تساوي جنيها.
قصة من حياة طبيبة
صفحة غير معروفة