أخذت مجلسي في ذلك اليوم إلى جانب الباشا، وكان المسيو سارو يقول وهو يتأمل بعينيه الواسعتين الجاحظتين تمثالا نصفيا برونزيا لأنشتين: إن قصرك يا صاحب السعادة يحتاج إلى تغيير طفيف لكي يصير متحفا كاملا.
وقال الدكتور مؤمنا على كلامه وهو يتخلل لحيته بأنامله: صدقت؛ فهو معرض دائم لجميع العبقريات والمدارس على السواء مع ميل ظاهر للفنانين الفرنسيين.
فقال الباشا: الفضل في ذلك يرجع إلى ذوقي المعتدل الذي يساوي بين النزعات المختلفة ويعدل بين أهواء المدارس، ويهوى تذوق الجمال سواء أكان بديعه براكستليس أو رفائيل أو سييزان، مع استثناء البدع الحديثة المتطرفة.
فقلت ناظرا بطرف خفي إلى المسيو سارو وكان يحلو لي دائما أن أداعبه: لو استطاعت وزارة المعارف أن تنقل هذا الصالون إلى مدرسة الفنون الجميلة العليا لاستغنت عن إرسال بعثات إلى فرنسا وإيطاليا.
فضحك المسيو سارو وقال موجها الخطاب إلي: بل لعلها تستغني عن ناظر المدرسة الفرنسي أيضا.
ولكن الباشا قال جادا: اطمئن يا عزيزي سارو؛ فإنه إذا قدر على هذا المتحف أن يترك الصعيد فسيتخذ طريقه رأسا إلى باريس.
فنظرنا إليه نظرة استفهام ودهشة وكأننا لا نصدق آذاننا.
فالواقع أن مجموعة الباشا الفنية كانت تقدر بمئات الألوف من الجنيهات، وقد تسربت جميعها إلى جيوب الفرنسيين، فكان غريبا أن يفكر في إهدائها إلى فرنسا، وكان يحق لنا أن نفرح ونبتهج، ولكني لم أتمالك أن أسأله متعجبا: أحقا ما تقول يا إكسلنس؟
قال الباشا بهدوء: نعم يا صديقي دوريان .. ولم لا؟
فقال المسيو سارو: يا له من حظ سعيد حقيق باغتباطنا نحن الفرنسيين، ولكني أقول لسعادتك مخلصا إني أخشى أن يسبب لك متاعب كثيرة.
صفحة غير معروفة