وما قيل هذا الوجه يختص بهم، وقالوا من كتب سبع شينات فى خرقة حرير صفراء وثلاث واوات ثم كتب بعدها { صم بكم عمى فهم لا يرجعون } وقابلها للنجوم ثلاثة ليال، وحرز عليها وحملها على تاجه دخل بها على من أراد انعقد لسانه بإذن الله تعالى.
[2.19]
{ أو كصيب } عطف على قوله
كمثل الذى استوقد نارا
بتقدير مضافين، أى كمثل أصحاب صيب كما ذكر فى المعطوف عليه المثل، وصاحب الاستيقاد، ويدل لتقدير أصحاب أيضا رجوع الضمير إليه فى قوله { يجعلون } وأن الممثل به أصحاب الصيب لا الصيب نفسه، أو لأحد الشيئين أو الأشياء، وإن شئت فقل لتلعيق الحكم بأحد الشيئين فصاعدا بقطع النظر عن التخيير والإباحة والشك والتشكيك والإبهام والتقسيم والإضراب، فإن المقيدة لأحد المعانى المذكورة بخصوصه هو التركيب بواسطتها لا هى نفسها، فإنها لا تفيد بذاتها إلا تحصيل الحكم لأحد شيئين أو أشياء، وإذا أضيف إليها أفادت أحد تلك المعانى فمجاز مثل أن يقال أو تقيد الشك أو التخيير أو الإباحة أو نحو ذلك وأما أن يقال أو للشك أو للتخير أو نحو ذلك بمعنى أنها تستعمل حيث أريد ذلك، أو أنها معونة فيه فليس بمجاز، ويعلم من قولى بقطع النظر.. إلخ أن أو حقيقة فى المعنى الموجود فى تلك المعانى جميعا وهو مطلق حصول الحكم لأحد الشيئين أو الأشياء، مجاز فى تعيين ذلك الحصول على طريق التخيير أو طريق الإباحة أو نحوهما، وهذا أقعد من قول الزمخشرى والقاضى إن أو فى الأصل للتساوى فى الشك، ثم اتسع فيها فأطلقت للتساوى من غير شك، مثل جالس الحسن وابن سيرين، فإنها تفيد التساوى فى حسن مجالسة الحسن وابن سيرين من غير شك، ومثل قوله عز وجل
ولا تطع منهم آثما أو كفورا
فإنها تفيد التساوى فى وجوب عصيانه الآثم والكفور، لكن قولهما وفق باللغة، وإذا استعملت أو بمعنى الواو فمجاز لا غير، وأو فى قوله عز وعلا { أو كصيب } تحتمل أن تكون بمعنى الواو وأن تكون مستعملة فى تحصيل الحكم لأحد الشيئين، والحكم هو التشبيه، وذلك التحصيل على طريق التخير بمعنى أنه يصح تشبيه المنافقين بالذى استوقد نارا، أو يصح بأصحاب الصيب كلاهما سواء فى الجواز فأنت مخير فى تشبيههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب، والمشهور فى التخير عدم صحة الجمع، فإيضاح تخريج الآية أن يقال المعنى إنك إذا أردت الاختصار وتشبيههم تشبيها واحدا فقط فشبههم بالمستوقد فقط، أو بأصحاب الصيب فقط، وإن شئت فقل التحصيل فى الآية على طريق الإباحة، أى شبههم بهما أو بأحدهما، ولست أريد أنهما سواء فى التشبيه من كل وجه، بل سواء فى أصل الجواز كما صرحت به، إذا قلت سواء فى أصل الجواز، وإلا فتشبيههم بأصحاب الصيب أبلغ لأنه أدل على شدة الحيرة والأمر وفظاعته، ولذلك أخر فى الآية على سبيل الترقى من الأهون إلى الأغلظ. وتعلم من كلامى أنه لا يشترط التصريح بالطلب فى التخير والإباحة أو تقديره، بل تكفى عنايته وهو ظاهر كلام ابن مالك، فإن معنى الآية شبه المنافقين بالمستوقد أو بأصحاب الصيب فإن الطلب لم يصرح به فيها، ولم يكن محذوفا مقدرا واشترط كثير أن يكون مصرحا به أو محذوفا مقدرا، والصيب المطر سواء فسرنا السماء بالسحاب أو بسماء الدنيا، ويجوز تفسير الصيب بالسحاب على أن السماء سماء الدنيا، وسمى المطر والسحاب صيبا من الصوب بمعنى النزول، لأنهما ينزلان إلى الأرض، ونزول السحاب إليها نزول مائه، وقد قيل أيضا إنهما ينزلان من السماء، وأيضا قد يدنو السحاب من الأرض بعد ما كان أبعد، ومن استعمال الصيب وصفا للسحاب قول الشماخى
محا آيه نسج الجنوب مع الصبا وأسحم دان صادق الوعد صيب
وآيه جمع آية ونسج والهاء للمنزل الجنوب مع الصبا تخالفهما كتخالف الطعم والغزل لتقابلهما، فيدخل كل فى الآخر، فالجنوب ريح من ناحية سهيل عن يمين مستقبل المشرق، والصبا ريح من المشرق، والأسحم السحاب الأسود والدانى القريب من الأرض، سمى كونه بحال يطمع فى أمطاره مطرا نافعا وعدا تنزيلا لحالة منزلة النطق بوعد الأمطار، فوصفه بصدق الوعد، والصيب الكثير الأمطار وتلك الصفات أولى بالسحاب، فحمل الصيب عليه أولا، وإن كان يجوز حمله على المطر باطلاق أوصاف السحاب على المطر مجازا لتقاربهما غالبا، والأكثر فى الآية على المراد المطر وهو تفسير مجاهد، وكان صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال
" اللهم صيبا هنيئا "
صفحة غير معروفة