418

هميان الزاد إلى دار المعاد

مناطق
الجزائر

{ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } قال السدى السائل ثابت بن الدحداح أبو الدحداح، وسأل أيضا غيره من الصحابة،

" سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحيض، ولفظ السؤال فيه نوع إبهام أنه تبين بقوله { قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض } ، بواسطة قوله صلى الله عليه وسلم " إنما أمرتم بعزل الفروج "

أن السؤال كان عن مخالطة النساء حال الحيض، وكأنه قيل ويسألونك عن المحيض ما يفعل النساء معه؟ فحذف ويسألونك عن خلطة المحيض، أو خلطة الحيض أو خلطة زمانه، أو خلطة مكانه، وصحة إضافة الخلطة أو زمانه أو مكانه للملابسة، وإلا فالمخالط المرأة ذات الحيض، فأقرب من ذلك أن يقدر ويسألونك عن مخالطة صاحبة المحيض، فقد ظهر لك أن المحيض مصدر ميمى أو إسم مكان ميمى، أو إسم زمان ميمى، ومكان الحيض هو فرجها، وزمانه هو الزمن الذى جاءها فيه، فإن المضارع الذى عينه مكسورة معتلة قيل تكسر عينه فى اسم الزمان واسم المكان، وتفتح فى المصدر قياسا فيما لم يرد فيه السماع، وقيل تفتح عينه فى الزمان والمكان، وتكسر فى المصدر، وقيل يخير فى الفتح والكسر فى المصدر، وتفتح فى غيره، والقول باستعمال القياس ولو فيما ورد فيه السماع مردود، وجاءت السؤالات الثلاث الأولى بلا واو، لأنهن فى أوقات متفرقة، والثلاث الأواخر بالواو، لأنهن فى وقت واحد، وجئ بحرف الجمع، كأنه قيل يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر، والسؤال عن الإنفاق، والسؤال عن المحيض، فأمره الله أن يجيب بأنه أذى، وهو جواب صحيح، ولو قدرنا عن مخالطة المحيض أو عن صاحبة المحيض، لأن التكلم عن الحيض أو عن الدم بأنه أذى تكلم على صاحبه، والأذى الشئ المستقذر المؤذى، من يقربه أو يقدر مضاف، أى محل أذى إذا فسرنا المحيض بالفرج، فذلك المحل مستقذر بالدم مؤذ، وقيل الأذى الدم، وكفى الجواب بأنه الدم، لأن الدم مستقذر، وهذا القول على أن المحيض الفرج، فيقدر مضاف، أى هو محل أذى، أى محل دم، وقيل الأذى المرض، أى المحيض وهو الفرج حين الحيض محل أثر المرض، ويجوز على هذا القول أن يفسر المحيض بالحيض الذى هو المعنى المصدرى، وهو السيلان ، أى خروج الدم مرض، وكفى هذا فى الجواب لأن المرض ينفر عنه. { فاعتزلوا النساء فى المحيض } أى اجتنبوا وطء النساء وقت الحيض، أو فى مكان الحيض وهو الفرج، أو موضع الإزار، وجاز لكم الوطء فميا دون ذلك وقت الحيض، ووصف المحيض بأنه أذى، ورتب الحكم الذى هو ترك وطئهن عليه بالفاء ليفيد أن الأذى العلة فى المنع، وذلك أن دم الحيض دم فاسد يتولد من فضلة تدفعها طبيعة المرأة من عمق الرحم، ولو احتبست تلك الفضلة لمرضت، وهو جار فى مجرى البول والغائط، فكان أذى مثلها، بخلاف دم الاستحاضة، فدم صالح يسيل من عرق ينفجر فى فم الرحم، وليس من مجرى البول والغائط، روى

" أن أهل الجاهلية وأعراب المدينة وأهلها خصوصا لمجاورتهم اليهود، إذا حاضت المرأة يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجالسوها على فراش واحد، ولم يساكنوها فى بيت كفعل اليهود والمجوس، فلما نزلت الآية أخذ المسلمون يظاهر اعتزالهن فأخرجوهن من بيوتهم، فقال أناس من أعراب المدينة، يا رسول الله البرد شديد، والثياب قليلة، فإن آثرناهن هلك سائر أهل البيت، وإن استأثرنا بها هلكت الحيض. فقال صلى الله عليه وسلم " إنما أمرت أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن، ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم "

وقرأ عليهم الآية، يشير إلى أن تفسيرها عزل مجامعتهن، وكانت النصارى - والعياذ بالله - تجامع نساءها ولا تبالى بالحيض، فأمر الله المؤمنين بالاقتصاد اختيارا لهم بين إفراط اليهود والمجوس، وتفريض النصارى، فكان أمرهم بين ذلك قواما، رأى المسلمون اليهود يفعلون ذلك فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل { يسألونك عن المحيض } ، فقال صلى الله عليه وسلم " صنعوا كل شئ إلا النكاح " ، فبلغ ذلك اليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل، إن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا، فجاء أسيد بن حصين وعباد بن بشير فقال يا رسول الله إن اليهود قالوا كذا وكذا فلا تجامعوهن. فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل فى أثرهما فعلمنا أنه لم يجد عليهما، أى لم يغضب عليهما، بل لقول اليهود ، ولو كان قولهما أيضا غير صواب، وكان أبو حنيفة وأبو يوسف يعتزلان جماع الحائض فى الفرج، وفيما بين الركبة والسرة، ويبيحانه فى غير ذلك، ومحمد بن يوسف لا يوجب إلا اعتزال الفرج، لقول عائشة لابن عمر وقد سألها، هل يباشر الرجل امرأته وهى حائض؟ قالت نعم تشد إزارها على أسفلها ثم ليباشرها إن شاء، ويروى أن أسفلها الفرج فقط، وعن عائشة رضى الله عنها كانت إحدانا إذا كانت حائضا وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر فى فور حيضها ثم يباشرها، وأيكم يملك أربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك أربه وفى رواية كنت أغتسل ورسول الله من إناء واحد، وكلانا جنب، وكان يأمرنى فآتزر فيباشرنى وأنا حائض. وفور الشئ أوله والأرب بسكون الراء العضو، وبفتحها الحاجة، واحتج أبو حنيفة بما روى زيد بن أسلم أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم ما يحل لى من امرأتى وهى حائض؟ قال " لتشد إزارها عليها ثم شأنك بأعلاها " يرى أن المراد تحريم موضع الإزار وهو من السرة إلى الركبة، ويروى عن عائشة رضى الله عنها يجتنب شعار الدم، وله ما سوى ذلك، واحتج به محمد بن الحسن، يرى أن شعار الدم كناية عن الفرج، فإنه يطلق عليه ويطلق على الخرقة التى تجعل على فرجها، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف شعار الدم الذى يلى شعرها، وهو الإزار، وموضعه ما بين السرة والركبة إلحاقا بالفرج، لأن الدم قد يلحق ذلك، ويدل لما قال محمد بن الحسن ما رواه الشيخ هود أن عائشة سئلت ما يحل للرجل من امرأة إذا كانت حائضا؟ فقالت كل شئ ما خلا الفرج، فإذا ثبت هذا التصريح فالتفسر به الحديث المذكور عنها من اجتناب شعار الدم، ولفظه عند الشيخ هود عن غير واحد من العلماء أنهم سألوا عائشة ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا؟ فقالت كل شئ غير شعار الدم، ولتصريح عائشة بذلك يترجح تفسير المحيض بالفرج فيفهم أن غير الفرج محرم بالآية، فيتبادر الحل فى غير الفرج، ولو كان المحيض لقبا، ومفهوم اللقب ضعيف، لأنا نبقى ما عدا الفرج على أصله وهو الإباحة استصحابا للأصل.

واختلف العلماء فيمن جامع امرأته حائضا فى الفرج، فقيل تحرم، وصححه بعض، ولزمه كفارة الجماع فى الحيض أيضا، وهو دينار، وقيل لا تحرم عليه ولا كفارة عليه، ونسب لجمهور الأمة فيستغفر الله ويتوب، ونسب للشافعى فى الجديد، وأبى حنيفة، وقيل تجب الكفارة وهى ما روى فى حديث ابن عباس رضى الله عنهما

" أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى رجل جامع امرأته وهى حائض " إنه كان إن الدم غبيطا فليتصدق بدينار وإن كان فيه صفرة فنصف دينار "

وهو قول الشافعى فى القديم وأحمد. وفروع المسألة فى الفقه. ويروى هذا الحديث فى بعض الطرق موقوفا عن ابن عباس، واتفقوا على جواز جماعها فوق السرة وتحت الركبة، والجماع فى الفرج كبيرة لقوله صلى الله عليه وسلم

" من جامع امرأته وهى فى حيضها فقد ركب ذنبا عظيما "

قال الداودى روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

صفحة غير معروفة