ولا تقتلوا أنفسكم
إلى قوله
ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا
إلا أن تاب مثل أن يتوب بعد تركه وبعد عجزه عن مناولة ذلك، وعن أكله وقبل موته، وقول ابن العربى دخل النار إلا أن يغفر الله له يحتمل هذا، ويحتمل الجرى على مذهبه من جواز دخول العاصى الفاسق الجنة بلا توبة، قال الشيخ هود رحمه الله ذكر بعض السلف أن من اضطر فلم يأكل ولم يشرب، فمات دخل النار، ذكروا عن ابن عباس أنه قال إن الله يحب أن تقبل رخصه كما يحب أن تقبل عزائمه انتهى. وحفظت مثل هذا مرفوعا. { إن الله غفور } لما أكله حال الضرورة، أو أن الله غفور لأوليائه، وهذا الوجه الثانى استئناف على الكلام فى الاضطرار. { رحيم } إذ رخص لعباده فى أكل ذلك للضرورة أو رحيم بأهل طاعته.
[2.174]
{ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب } من للتبعيض، لأنهم يكتمون بعض الكتاب لا كله وهم اليهود يكتمون ما فى التوراة من صفات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما فيها من تصديقه متعلق بمحذوف حال من مال أو من المحذوف، أى ما أنزله الله حال كونه بعض الكتاب، أو من للابتداء متعلق بيكتمون وليست بيانا لما أو لضميرها المحذوف لأنهم لم يكتموا كل الكتاب بل بعضه. { ويشترون به } أى بما أنزل الله، أو بالكتاب إثباتا بيانا ونفيا وزيادة، أما الإثبات فهم يقرءون التوراة ويقرءونها ويعلمون بعض ما فيها بالأجرة، وأما النفى فهو محوهم منها صفات محمد وما يصدقها أو كتم ذلك أو تأويله بتحريف، أو يأخذون الأجرة على ذلك، ويعيرون وقت نبوته فعل علماءهم ذلك وأكابرهم لئلا تزول عنهم الرياسة والمآكل التى يأكلونها من السفلة والعامة، وأما الزيادة فرسمهم فيها ما حرم برسم الحلال والعكس وتبديل صفاته صلى الله عليه وسلم بغيرها، ليرى الناس أنه غير النبى المبعوث آخر الزمان، وقيل الكاتمون اليهود والنصارى، والكتاب التوراة والإنجيل، وزعم المتكلمون أن التوراة والإنجيل بلغا من الشهرة إلى حيث يتعذر كتم بعض ما فيهما أو محوه، وليس كذلك لأنهم قوم سوء، وقد غيروهما قبل سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وزادوا ونقصوا، ففعلوا ذلك أيضا بعد ولادته وبعد بعثه إلا قليلا منهم، وزعم هؤلاء المتكلمون أن كتمهم هو التحريف بالتأويل ليصرفوا الرسالة عنه، صلى الله عليه وسلم، وليس هذا الحصر بشئ، والآية ولو نزلت فى الأحبار والرهبان لكنها تتناول من كتم الحق من الموحدين لغرض من الدنيا، ويجوز عود الهاء إلى الكتم، أى يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون بالكتم. { ثمنا قليلا } هو مآكلهم المذكورة، سماها ثمنا لأنها عوض عن الحق، وسماها قليلا لقلة ما فى الدنيا كله، وبالنسبة إلى ما عوضوه عنه، وبالنسبة إلى ثوابهم فى الآخرة لو أطاعوا أو إلى عذابهم فيها. { أولئك ما يأكلون فى بطونهم إلا النار } شبه ما يأكلونه من المآكل المذكورة والرشاء بالنار، فسماه باسم النار لأنه سبب للنار وملزوم لها، ومعاقبون بها عليه، فكأنه عوضه وبدله. قال أعرابى تزوج امرأة فلم توافقه
أكلت دما إن لم أرعك بضره بعيدة مهوى القرط طبيعة النشر
كان أخذ الدية عند العرب عارا لأنها تتضمن قتل الأعزة وتجسر عليها، وعلى الإهانة بالأقارب، فحلف بأنه يكون كالذى أكل دما، أى أخذ الدية المسببة أو اللازمة عن الدم المعبر عن القتل إن لم ينزع مخاطبته التى هى زوجه بامرأة يتزوجها عليها، طويلة العنق، بحيث يبعد مسقط ما تعلق فى أذنها ومسقطه الكتف، طيبة الرائحة.
وتقول العرب أكل فلان الدم، أى الدية المبدلة منه. وقال الشاعر
يأكلن كل ليلة إكافا
صفحة غير معروفة