قل إن ربى يقذف بالحق علام الغيوب
وفى نحو { لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } فقدر كلاما نعتا للضمير المستتر فى يقذف، والرحمن الرحيم نعتن لهو، وصحح ابن هشام أن الرحمن علم قيل إن كفار قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم صف لنا ربك فانسبه، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية وسورة الإخلاص. قال عطاء وابن المسيب ولما نزل ذلك أما الآية ففى المدينة، وأما سورة الإخلاص ففى مكة تعجبوا من قوله إنه واحد، وقد كان لهم حول الكعبة ثلثمائة وستون صنما وقالوا له ائنتا بآية إن كنت صادقا نعرف بها صدقك فأنزل الله تبارك وتعالى { إن في خلق السماوات والأرض... }
[2.164]
{ إن فى خلق السماوات والأرض } إلى آخر الآية وهى تدل على وجود الله عز وجل وكمال قدرته ووحدانيته إجمالا وتفصيلا، أما الإجمال فإن السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وجميع المخلوقات قد كان من الجائز أن تتباعد أكثر مما تباعدت، وتتقارب أكثر مما تقاربت، وتغلظ أكثر مما غلظت، وترق أكثر مما رقت، وتطول أكثر مما طالت، وتقصر أكثر مما قصرت، وتعرض أكثر مما عرضت، وتعرض أقل، ويكون لونها أشد أو أقل مما كان، ويكون لونها غير لونها الذى هى عليه، ويكون ما هو طرفا أو وسطا فى غير محله، وتكون قبل وقتها أو بعده، وألا يتحرك الفلك أو غيره، وأن يتحرك إلى غير الجهة التى يتحرك إليها، وألا تدور على القطب الشمالى والجنوبى، وأن يدور على واحد ما يكون دوره على الآخر، وقد قيل إنما رد سهيل إلى الجنوب يدور على قطب الجنوب، وما سواه على قطب الشمال، وألا يكون أعلى وأسفل، وأن يكون الأعلى أسفل والأسفل أعلى، وأن يكون الكورى بسيطا والبسيط كوريا إلى غير ذلك من صفات الأجسام والأعراض، ولما خصت بصفة مخصوصة، وكم مخصوص، وغير ذلك من المخصوصيات، علمنا أن لها موجدا قادرا حكيما مختارا، اختار كونها على حالها الذى هى عليه بمقتضى حكمته ومشيئته، ولا بد أن يكون واحدا لأنه لو تعدد وأراد كل منهما ما لم يرده الآخر فالغالب منهما هو الإله لا المغلوب، لأن العجز ينافى الألوهية، ولو تعادلا أو عاند أحدهما الآخر لظهر خلافهما، فالمصنوعات لتمانعهما وتطاردهما. وبهذا قال الله جل وعلا
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا
وقال
إذا لذهب كل إله بما خلق
ولو تعدد وأراد كل منهما ما أراد الآخر فهذه المصنوعات إن كانت مصنوعة لهما، كل جزء مصنوع لهما معا، لزم اجتماع فاعلين على فعل واحد وهو محال، وإن كانت مصنوعة لأحدهما لزم ترجيح الفاعل بلا مرجح ولزم عجز الآخر عما أراد، والعجز ينافى الألوهية والألوهية تقتضى القدرة التامة على كل شئ، وهذا طرف من علم الكلام، والآية من حيث بنائها عليه تدل على شرف علم الكلام وأهله والحث عليه، وكذا مثلها كقوله عز وجل { لو كان فيهما } ، وقوله { إذا لذهب } ، وأما التفصيل فيأتى فى تفسير الآية، فإن علو السماوات وعظمها ووقوفها بلا علاقة، وما يرى فيها من الشمس والقمر والنجوم ظاهر وعلى جوده وكمال قدرته. وكذلك مد الأرض وغلظها وكبرها وجبالها وعيونها وبحورها ومعادنها، وأشجارها وثمارها ونباتها. وإنما جمع السماء وأفرد الأرض لأن كل سماء أفضل من السماء التى تحتها فى ذاتها، ومخالفة لها بالحقيقة، فإن بعضا موج مكفوف، وبعضا فضة، وبعضا ذهب وغير ذلك، بخلاف الأرض فإنهن من جنس واحد مستو وهو التراب، فناسب فيهن الإفراد لفظا، ولو كان المراد جنس الأرض أو ناسب ذكر الأرض الواحدة المشاهدة فقياس عليها غيرها، وأيضا لم يجمع الأرض لثقل وهو أرضون وأراض، وقالت الحكماء الأرض طبقة واحدة لا سبع أرضين، فلذلك على هذا لم تجمع بخلاف السماء، والحق أنهن سبع أيضا كما يدل عليه القرآن أنهن سبع وأن غلظ كل واحدة خمسمائة عام، وبينها وبين ما تحتها خمسمائة عام، وقدم السماوات لأنهن أفضل بالوحى والملائكة والعرش والكرسى والجنة والعبادات الكثيرة التى لا يفتر عنها.
{ واختلاف الليل والنهار } بالظلمة والنور. والذهاب والمجئ. والزيادة والنقصان، والطول والقصر اللازمين عن الزيادة والنقصان، والإراحة فى الليل بالنوم، والكف عن العمل، والإقدار عن العمل نهارا، وذلك هو الآية فى اختلاف الليل والنهار، وذلك كقوله عز وجل
فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة
صفحة غير معروفة