" إن أمى بنت أبى بكر حدثتنى أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لعائشة " لولا حداثة عهد قومك بالكفر لرددت الكعبة على أساس إبراهيم فأزيد فى الكعبة من الحجر "
وأن قريشا أعوزتهم النفقة فأخرجوا الحجر من البيت، وجعلت لها بابين شرقيا وغربيا، فأمر ابن الزبير فحفروا فوجدوا حجارة كأسنمة الإبل، فحركوا صخرة فأبرقت بارقة، فقال اتركوها على أساسها، فبناها ابن الزبير وأدخل فيها الحجر، وجعل لها بابين يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر، وكانت الكعبة على ما بناها ابن الزبير سنة أربع وسبعين، حتى قتل الحجاج عبدالله بن الزبير، وكان الحجاج ولى الحجاز من قبل عبدالله بن مروان، وأعادها إلى بنائها الذى كانت عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة مشايخ قريش وهى اليوم على بناء الحجاج، إلى ما كان من قلع القرمطى صاحب البحرين، لعنه الله، أخذ الحجر الأسود عام أربعمائة والحجيج بمكة، فذهب به من الحجاز إلى البحرين، ثم أخذ منه ورد إلى موضعه. وعن ابن عباس قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم كان البيت قبل هبوط آدم ياقوتة من يواقيت الجنة وكان له بابان من زمرد أخضر، باب شرقى وباب غربى، وفيه قناديل من الجنة وأنزل الله الحجر الأسود يتلألأ كلؤلؤة بيضاء، فأخذه آدم استئناسا به، ثم أنزل الله تعالى على آدم العصى، ثم قال يا آدم تخطى فتخطى فإذا هو بأرض الهند، أنزله الله بمكة فتخطى خطوة واحدة إلى الهند، والمشهور أنه نزل بالهند. وعلى الأول مكث ما شاء الله، ثم استوحش من البيت، فقيل له أتحج يا آدم؟ قال نعم. فجعل يتخطى فكان كل موضع قدم قرية، وما بين ذلك مفاوز، وعلى أن بين مكة والهند خطوات بمشى آدم لا خطوة واحدة، ولما قالت له الملائكة بعد حجه لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام، قال فما كنتم تقولون حوله؟ قالوا كنا نقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فكان يقول ذلك فى طوافه، وكان يطوف سبعة أسابع فى الليل وخمسة أسابع بالنهار، وقال يارب اجعل هذا البيت عمارا يعمرونه من ذريتى. فأوحى الله تعالى إليه أن سوف يعمر بيتى من ذريتك رجل اسمه إبراهيم، أتخذه خليلا وأقضى على يده عمارته، وأبسط له سقايته، وأرزقه خلة وخدمة وموافقة، وأعلمه مشاعره ومناسكه، ولما فرغ إبراهيم من بنائه نادى يا أيها الناس إن الله بنى بيتا فحجوه، فأسمع ما بين الخافقين فأجابه كل من يحج لبيك لبيك.
وذكروا عن النبى، صلى الله عليه وسلم أن آدم سأل ربه أسألك يا رب أن تبعث من مات فى هذا البيت من ذريتى، لا يشرك بك شيئا آمنا، وروى أن آدم لما أهبط إلى الأرض كانت رجلاه فى الأرض ورأسه فى السماء فكان يسمع كلام أهل السماء فيأنس إليهم، فهابته الملائكة واشتكت نفسه، حتى شكت ذلك إلى الله عز وجل فنقصه الله إلى ستين ذراعا بذراع آدم، فلما فقد ما كان يسمع من أصوات الملائكة وتسبيحهم استوحش وشكى ذلك إلى الله تعالى، فأنزل الله تعالى ياقوتة من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت، لأن تطوف به الملائكة، فأوحى الله عز وجل إليه يا آدم إنى أهبطت بيتا يطاف به، فكان يطاف به كما يطاف حول عرشى، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشى، فتوجه آدم إلى مكة ورأى البيت يطاف به، فكان يطوف. وروى أبو صالح عن ابن عباس أن الله تعالى أوحى إلى آدم أن لى حرما بحيال عرشى، فانطلق فابن لى بيتا فيه فحف به كما رأيت الملائكة يحفون بعرشى، فنالك أستجيب لك ولمن أطاعنى من ذريتك، قال آدم يا رب كيف لى بذلك ولا أقوى عليه ولا أهتدى إليه، فقيض الله تعالى إليه ملكا فانطلق معه نحو بيت مكة، وكان آدم إذا مر بروضة ومكان يعجبه قال للملك انزل بى هنا. فيقول له الملك مكانك حتى قدم مكة ، فكان كل مكان نزله عمرانا، وكل مكان تعداه مفاوز، فلما فرغ منه خرج الملك به إلى عرفات فأراه المناسك التى يفعلها الناس اليوم، ثم قدم به إلى مكة فطاف بالبيت سبعا، ثم رجع إلى الهند ومات على جبل ثور، وقيل بسرنديب. قال أبو يحيى قال مجاهد، قال ابن عباس إن آدم نزل بالهند، ولقد حج منها أربعين حجة، فقلت يا أبا الحجاج أكان يركب، قال وأى شئ كان يحمله فوالله إن خطوته مسيرة ثلاثة أيام. قال وهب لما أهبط آدم إلى الأرض ورأى سعتها ولم ير فيها أحدا غيره، قال يا رب أما لأرضك هذه عمار يسبحون بحمدك ويقدسونك غيرى؟ قال الله تعالى سأجعل فيها من ولدك من يسبح بحمدى، وسأجعل فيها بيوتا يرفع فيها ذكرى ويسبح لى فيها، وسأجعل فى تلك البيوت بيتا أخصه بكرامتى وأوثره باسمى، أسميه بيتى وأنطقه بعظمتى، وعليه وضعت جلالى، ثم أنا مع ذلك أجعل ذلك البيت حرما آمنا، يحرم بحرمته من حوله ومن تحته ومن فوقه، فمن حرمه لحرمتى استوجب بذلك كرامتى، ومن أخاف أهله فقد حفر ذمتى، وأباح حرمتى، وأجعله أول بيت وضع للناس يأتونه شعثا غبرا، وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، يرجون بالتلبية رجيجا، ويعجون بالتكبير عجيجا، فمن اعتمره لا يريد غيرى فقد وفد إلى وزارنى واستضافنى، وحق على الكريم أن يكرم ضيفه.
{ ربنا تقبل منا } بناءنا. والجملة مفعول لحال محذوفة، صاحبها إبراهيم وإسماعيل، أى يقولان أو قائلين ربنا تقبل منا بناءنا، وتقدير يقولان أولى لأنه أظهر فى استمرار قولهما ذلك حال البناء من لفظ قائلين، ولأن عبد الله بن مسعود قرأ يقولان ربنا تقبل منا، ولأن الأصل فى عمل النصب والرفع الفعل، وهذه ثلاثة أشياء ترجح يقولان. وأما تقدير قائلين فمرجحه وجه واحد هو كون الأصل فى الحال الإفراد، وقد علمت أن مفعول تقبل محذوف تقديره بناءنا، ويجوز تقديره علمنا أو عبادتنا أو طاعتنا. { إنك أنت السميع } لدعائنا أو بكل قول فتسمع دعاءنا، وعندى أن سمعه تعالى هو علمه بصوت الصائتين حال وقوعه على وفق علمه الأزلى. { العليم } بفعلنا أو بنائنا أو كل فعل أو بنيتنا أو بكل نية فتعلم نياتنا، وخص السميع العليم لأنهما الصفتان المناسبتان لحالهما، ومن كتب { وإذ يرفع } إلى قوله { العليم } بزعفران وماء ورد ومحاها بماء عنب أسود وجعل فيه يسير سكر ويسير عصارة كرنب وشربه، قطع عنه نزف الدم، إن شاء اله.
[2.128]
{ ربنا } نداء ثان مؤكد للنداء فى قولهما
ربنا تقبل منا
أو نداء عائد إلى قولهما { إنك أنت } أى إنك أنت يا ربنا السميع العليم، أو إنك يا ربنا أنت السميع العليم مضاف إلى محذوف وقع العطف عليه فى قوله { واجعلنا مسلمين لك } أى يا ربنا أجب لنا واجعلنا مسلمين لك أى منقادين لأمرك ونهيك، أو مخلصين لك. ومن أسلم وجهه أو أخلصه، أو مؤمنين عاملين لك عملا صالحا، وذلك كله حاصل فيهما قبل هذا الدعاء، ولكن أراد الدعاء بزيادة فى ذلك أو بالثبات عليه. وقرئ مسلمين بكسر الميم وإسكان الميم إسكانا ميتا وفتح النون وله أوجه أحدها أن يكون من استعمال صيغة الجميع فى الاثنين، ونكتته أنه يخرج منهما إتباعا لهما على الخير والثانى أن يكون أراد الدعاء بالجعل مسلما أنفسهما ومن يؤمن من ذريتهما، والثالث أن يريدا نفسيهما وهاجر. وهى زوج إبراهيم أم إسماعيل عليه السلام. { ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } من ذريتنا معطوف على مسلمين، وأمة معطوقة على نا من قوله { واجعلنا } كأنه قيل واجعل أمة مسلمة لك من ذريتنا، ومن للتبعيض كأمثاله السابقة، وخصا البعض لعلمهما أن فى ذريتهما ظلمة، كما أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم
لا ينال عهدى الظالمين
ومن كفر فأمتعه
صفحة غير معروفة