هميان الزاد إلى دار المعاد

اطفيش ت. 1332 هجري
247

هميان الزاد إلى دار المعاد

تصانيف

يقولون للرحمن باب بجهلهم ومن قال للرحمن باب فقد كفر

والذى عندى أن من قال هذا لا يشرك إن لم يعتقد تشبيها ولا معنى لفظه، بل التعظيم لكونه منافق لأنه سمى الله باسم قبيح موهم. { بل له ما فى السموات والأرض } إبطال لقولهم اتخذ الله ولدا، أو إضراب عنه واستدلال على فساده، بأن من ملك السموات والأرض الذى من جملته عزير والمسيح والملائكة، لا يكون عزير والمسيح والملائكة أولادا له، بل هم عبيد له ومماليك، والملكية تنافى الولادة، فإن الولد ليس ملكا لوالده كما يملك العبد، ففى الآية دليل على أن من ملك ولده عتق عليه، لأنه تعالى نفى الولد بإثبات الملك، وذلك يقتضى تنافيهما قاله القاضى، وأيضا الولد يتخذ للحاجة إليه والانتفاع به عند عجز الوالد أو كبره والانتصار به، ودفع المكاره به والهموم، والله جل وعلا غنى على الإطلاق ولا يحتاج إلى شئ ولا يحلقه ضعف ولا مكروه ولا هم. { كل له قانتون } أى كل ما فى السموات والأرض قانتون لله، ومن كان بهذه الصفة من قنوت ما فى السموات والأرض له لا يجانسه شئ ولا يشبهه شئ، ولا يكون نظيرا له، والولد لا بد أن يكون من جنس الوالد، فلم يصح أن يكون عزير والمسيح والملائكة أولادا له، ومعنى { قانتون } منقادون لمشيئته لا يخالفون أمره، والكفار أيضا منقادون بالأجسام والأحوال، فإن الله يتصرف فى أجسامهم بما شاء ويجرى عليهم قاضاءه، وتسجد ظلالهم فأجسامهم مقرة كغيرها بالعبودية، والقنوت لغة طول القيام، كقوله صلى الله عليه وسلم

" أفضل الصلاة طول القنوت "

وأطلق هنا على الانقياد والطاعة والخضوع، ويجوز كونه بمعنى القيام، أى كل ما فى السموات والأرض قائمون لشهادة أنه الواحد الأحد، المالك لهم، الفعال ما يريد، ويطلق أيضا فى اللغة على الطاعة، وقيل { قانتون } ذليلون خاضعون، وما تقدم من تقدير ما أضيف إليه كل عاما هو الصحيح، فجمع القانت جمع مذكر السالم تغليب للعاقل وغير أولا بما مع أنها لغير العاقل تغليبا بجانب من يحقر وهو غير العاقل، لأن العقلاء كالملائكة، وعزير والمسيح محقورون أيضا فى هذا المقام مقام ما ينسب إلى الله من الولادة، فليس فى الوجود ولا فى الإمكان شئ يصح أو يليق أن يكون ولدا له، لأن الولادة فى نفسها نقص ككائنة ما كانت، فلا يتأهل لها الملائكة ولا عزير ولا المسيح، ويجوز تقدير ما أضيف إليه كل خاصا هكذا كل من ادعوه ولدا له تعالى من عزير والمسيح والملائكة قانتون له لا لغيره، مقرون بأنهم عبيده، فكيف تثبتون الولادة لهم وهم ينفونها عن أنفسهم، ويشهدون على أنفسهم بالعبودية، فألزمهم بقوله { كل له قانتون } ، بعد ما احتج عليهم بقوله { له ما فى السموات } ، وعن ابن عباس أنه يقدر خاصا بأهل الإيمان، وأن القنوت قنوت بالقلب والجوارح بالاختيار والعمد والقصد، فيكون التقدير هكذا كل المؤمنين له قانتون.

وقال الكلبى التقدير كل ما فى السموات والأرض قانتون، لكن قنوت الكفار وهو انقيادهم يكون فى الآخرة حيث لا ينفعهم .

[2.117]

{ بديع السموات والأرض } خبر لمحذوف، أى هو بديع السموات والأرض وهو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها، كقولك زيد كريم الأب، كأنه قيل هو بدعة سمواته وأرضه بضم الدال، أى حصلت بعد العدم بلا قياس على مثال سابقا يقال بدع الشئ، بضم الدال، فهو بديع، أى كان على صفة لم يكن عليها غيره، ويضعف أن يكون بديع بمعنى مبدع بكسر الدال فيكون من إضافة الوصف إلى مفعوله لندور فعيل بمعنى مفعل بكسر العين، كما قيل فى قول عمرو بن معد يكرب

أمن ريحانة الداعى السميع يؤرقنى وأصحابى هجوع

أن السميع بمعنى مسمع، وليس متعينا لجواز أن يكون بمعنى السامع، لأن المتكلم يسمع كلام نفسه من لسانه، فالداعى وهو داع الشوق لما دعاه سمع كلام نفسه الذى خاطب به معد يكرب، ولجواز أن يكون بمعنى مسموع، والبيت فى أخت معد يكرب واسمها ريحانة، أسرها دريد ابن الصمة الجشمى، والداعى مبتدأ خبره من ريحانة، أو فاعل للجار والمجرور المتعمدين على الاستفهام، وخص السموات والأرض بالذكر لأنها أعظم ما تشاهد، وفى قوله { بديع السموات والأرض } نفى لاتخاذ الولد أيضا، لأن الوالد أصل للولد المنفعل بانفصال مادته عن ذلك الوالد، فالود منفعل عن والده، وكذا الوالد منفعل بانفصال المادة عنه والله سبحانه وتعالى مبدع للأشياء كلها، فاعل على الإطلاق، منزه عن الانفعال، فلا يكون والدا، والإبداع اختراع الشئ لا عن شئ دفعة، وإيجاده على غير مثال سبق، أو تحصيله مما لم يكن منه، وكل هذه المعانى صالحة فى الآية، وقد فسرته بالثانى، وعلى كل حال هذا اللفظ هنا أولى من لفظ الصنع، لأن الصنع يكون ولو على مثال سابق، ويكون ولو مما أعتيد التحصيل منه، ويكون ولو تركيب للصورة على أصل، وأولى من لفظ التكوين، لأنه بمعنى الصنع، ويكون بتغير وفى زمان غالبا، فالإبداع أخص منهما، وقرئ بجر بديع على أنه بدل من الهاء فى قوله { كل له قانتون } أو فى قوله

بل له ما فى السموات والأرض

صفحة غير معروفة