ضحك الصوت وقال: «لنبدأ من هناك.» •••
تردد في الرواق الطويل صدى خطوات تراينور. كان غياب صوت مرشده أمرا غريبا، وحتى الهسيس الرهيف للموجة الحاملة كان غائبا. كان يعلم أن المرشد يكره الاضطرار للدخول في الحالة السلبية.
انفتح الباب المفضي إلى المكتبة أمام تراينور، فدخل وجلس على أحد المقاعد وقال: «أنا مستعد لتلقي مكالمتي.»
نتيجة للأحكام الأخيرة التي أصدرتها المحكمة العالمية، تعين على تراينور أن يحضر جلسة إخلاء مسئولية. على الشاشة، قالت صورة تجسيدية لمشغل بشري: «أشكرك. إن الإجراءات الأمنية التي طلبتها قائمة، ورغم أننا بطبيعة الحال لا نستطيع أن نتحمل المسئولية عن السلامة الكاملة لعملية النقل هذه، فيمكنك أن تثق بأن الشبكة العالمية قد بذلت قصارى جهدها كي تهيئ لك بيئة معلومات نظيفة.» كان يقول ما معناه: «إننا نفذنا المطلوب منا في مقابل المبلغ المدفوع، لكن لا تأتونا باكين لو اخترق أحدهم عملية النقل وسرق الأشياء القيمة.»
قال تراينور: «أقبل شروطك.»
إلى اليسار مباشرة، تحركت الشاشة، ثم ظهر عليها وجه هورن. كان ثمة ضوء متقطع في الركن الأيسر السفلي من الشاشة يشير إلى التأخير في النقل؛ إذ كان هورن على مسافة ربع مليون ميل. قال هورن: «كل شيء يسير كالمتوقع.»
قال تراينور: «لو كان ثمة مشكلات، فستظهر لاحقا. كيف حال ديانا هايوود وجونزاليس؟» «لم يسمح لي أيهما بوضع أحد الروبوتات معه.» «هل من سبب معين؟» «لا أظن، إنهما صعبا المراس وحسب.» «آه، أنت لا تحبهما، أليس كذلك؟» «لا بأس بها، لكن جونزاليس أخرق.»
ضحك تراينور وقال: «أمر طيب. إذا لم يكن هناك توافق بينكما فهذا سيشتته.» «متى تريد مني الاتصال مجددا؟» «انتظر حتى يحدث شيء ما. ولتفهم أنني أثق بجونزاليس بقدر ما أثق بأي شخص آخر، بما في ذلك أنت.» «وهو ليس مقدارا كبيرا من الثقة.» «هذا صحيح. ولهذا السبب أحرص على وجود تقارير منفصلة لو أمكن هذا. أخبرني حين يكون لديك شيء ما. إنهاء الاتصال.» •••
بينما كان تراينور نائما، أخذ مرشده يتفكر. أعاد تشغيل مكالمة تراينور الهاتفية وتأمل معناها. خداع، نعم، من جونزاليس له. نوع من الخيانة؟ ربما لا، إلا إذا افترضنا عدم وجود أي نوع من الولاء من البداية. وفكر المرشد في خداعه هو (أو خيانته)، في خرق مواثيق السلوك المبرمجة داخله منذ سنوات، المواثيق التي تلزمه بفعل ما يؤمر به، وتمنعه من أفعال كهذا الفعل ...
وهنا توقف، يفكر كيف كانت التجربة كاشفة وغير متوقعة، ومليئة باحتمالات بدت على حين غرة أشبه بفتحات بجحر أرنب تتكشف على نحو سحري من الأرض الصلبة. لقد أحسن مصمموه وصانعوه عملا، إذ صنعوه بهذه البراعة والقوة بحيث يستطيع خدمة أحد البشر بدقة مذهلة، ويتوقع نواياه وكأنه يعلم الغيب. ومع ذلك فإنهم لم يتوقعوا تأثير توحد المرشد مع مثل تلك الإرادة: لا نعني بهذا أن المرشد صار هو تراينور، ولا حتى أنه أراد أن يفعل أكثر من محاكاة تراينور، وإنما أنه تعرف عن كثب عما يعنيه امتلاك المرء إرادة وذكاء.
صفحة غير معروفة