كان الحلاج يملك قوة روحية عالية، من تلك القوى التي يفيضها الله على من يشاء من عباده، وكانت تلك القوى الروحية تمنحه فيما تمنح، القدرة الموحية المؤثرة الصانعة في عواطف الناس وقلوبهم وأحاسيسهم، وتضفي عليه طاقة تلهم الآمال الكبار، لكل من يلوذ به، أو يدنو منه، بل لقد شهد أمناء أتقياء، بأنه كان يؤثر بروحانيته العجيبة، في الجماد والنبات والحيوان.
ومن هنا توهم أعداؤه فيه السحر والشعوذة، وتوهم أحبابه فيه القدرة الخارقة على صنع المعجزات ، حتى لقد نسبوا إليه، إحياء الموتى، وبعث من في القبور!
ويحدثنا شيخ الصوفية الأكبر محيي الدين بن عربي في الباب الثالث والستين وأربعمائة من كتابه «الفتوحات المكية»: «إن الحلاج كان يدخل بيتا عنده يسميه بيت العظمة، فكان إذا دخله ملأه كله بذاته بأعين الناظرين، حتى إن بعض الناس ممن لا يعرف تطورات أحوال هذا المقام، نسبه إلى علم السيميا، لجهله بأحوال الفقراء في تطوراتهم.
ولما دخلوا عليه ليأخذوه للصلب، كان في ذلك البيت، فما قدر أحد أن يخرجه من ذلك البيت؛ لأن الباب يضيق عنه فجاء الجنيد، وقال له: سلم لله تعالى، واخرج لما اقتضاه وقدره، فرجع إلى حالته المعهودة. فخرج فصلبوه.»
ويقول صاحب «الفهرست»:
1 «حرك الحلاج يده يوما فانتثر على قوم مسك، وحرك مرة أخرى يده، فنثر دراهم.»
ويقول العلامة البغدادي:
2 «ووقع له عند الناس قبول عظيم، حتى حسده جميع من في وقته.»
ويهتف خلصاؤه وتلاميذه يوم صلبه: «لم يمت الحلاج بل ارتفع إلى السماء، وسيعود!»
لقد عجز الموت في أبشع صوره، وأقسى ألوانه، أن ينتزع الهالة الكبرى، التي تحيط بتلك الشخصية الضخمة الرائعة.
صفحة غير معروفة