[المؤلف دعاوي معارضيه] وأما الذين تدعونه علينا من قلة الوفاء فإن كان هذا عذرا فيما فعلتموه من الأفعال القبيحة، فإن الإنسان لا يكون معذورا فيما يفعله من المعاصي لأجل إساءة غيره إليه وقلة وفائه له الكفر(1) لا يستباح بما(2) ذكرتم لو صح ((أحسنوا حيث أساء الناس))(3) كما ورد في الخبر، مع أنا لم نفعل شيئا مما ذكرتم، بل فعلنا أفعالا نعرضها على الكتاب الكريم والسنة الشريفة، والعقول التي ركبها الله تعالى حجة على الخلق، وجعلها وما تقدم من الأدلة آية للخلق(4) وهو أنا نقول: شرطنا(5) وخرمتم شروطنا، فتركنا مشروطكم، فلو وفيتم(6) مع الإخلال بالشروط التي جعلناها فارقة بين عقود المسلمين وعقود غيرهم، لكنا(7) قد نصحنا من غش المسلمين، وقربنا من أبعده رب العالمين، التي يجب الوفاء بها هي عقود الذمم، والعقود الصالحة في الإصلاح، فأما الولايات والإقطاعات وما يجري مجراها فليست(8) بعقود عند من عقل الصواب، وفهم مضمون ما انطوت عليه السنة ونطق به الكتاب؛ إذ لو كانت(9) عقودا لما رجع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عنها في مجلسه، وللزمت الوكالات، وما كان لنبي ولا إمام أن يعزل ولا «أن»(1) يولي غير من ولاه، وضرورة الدين، وما علم من أمور المسلمين تقضي ببطلان ذلك، ألا ترى أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- رجع عن إقطاع بن حمال(2) جبل الملح «بمأرب»(3) حين قيل: يا رسول الله، أعلمت ما أقطعته(4)؟ قال: لا. قال: إنما أقطعته العد الذي لا ينفد؛ فرجع في الحال عن ذلك، وكذلك في قضية(5) الدهماء ومن(6) المعلوم الذي لا شك فيه أن الإنسان لو وكل وكيلا على عمل من الأعمال(7) ثم عزله قبل أن يفعل الفعل أو بعد فعله وكانت وكالة عامة، أنه لا حرج عليه، ولا عيب في الدين ولا في الدنيا، والوكالة ولاية في معنى الوكالة لا فرق بينهما عندنا(8).
صفحة ٦٩