ولكنني كنت مقيدا بحبي لأبنائي يأسرني تشوقي إلى هذا الحب لأصبح فريسة لهؤلاء الأبناء فأضحي من أجلهم نفسي، وما الشوق عندي إلا صورة ظاهرة لحقيقة فنائي. إن أبنائي لي وفي هذه التملك يجب أن يضمحل كل شوق مستحيلا إلى عقيدة مكينة.
وكان رأسي يلتهب بشمس محبتي فأتحرق بحرارة دمي، فرأيت أشباح الشكوك تدور بي من كل جهة فتمنيت أن يلفحني قر الشتاء حتى تصطك أسناني من رعشة الصقيع، وما عتم أن اكتسح نفسي ضباب الجليد، فشق الماضي لحوده وبعثت منه الآلام التي دفنت وهي حية فيها، وما تناولها الفناء لأنها كانت نائمة على أكفانها.
وكان كل شيء يشير إلي بأن قد حان زمن الرحيل، ولكنني كنت لا أنتبه إلى هذه الدعوة حتى تحركت أعماقي ولسعتني ثائرات أفكاري، ويا ليت لي القوة للتغلب على ارتعاشي عندما أشعر بقوة التفكير في أغواري تحاول أن تخترق لها منفذا، فإنني لا أزال أحس باختلاج قلبي عندما أتنصت لدبيب أفكاري وهي تحاول الانجلاء لي. إن في صمتك نفسه أيتها الفكرة ما يشد على عنقي وأنت أشد صمتا من أغواري، ولكم حاولت أن أستخرجك من الأعماق أيتها الفكرة فخانني العزم واكتفيت بإضماري إياك في ذاتي. إنني لم أتصل بعد إلى جرأة الأسد وإلى منتهى إقدامه.
إنك لجد ثقيلة في أغواري أيتها الفكرة، ولسوف أجد يوما قوة الأسد، وأتخذ لصوتي زئيره فأرفعك من الغور إلى المنبسط، حتى إذا ما تغلبت بذلك على نفسي تدرجت إلى انتصار أعظم أختتم به أعمالي، وإلى أن أبلغ هذا الظفر سأبقى تائها على بحار لا أعرف لها ساحلا تداعبني خطرات الأحداث فأتلفت إلى ما ورائي وإلى ما أمامي ولا أعلم أين المنتهى.
ألم تحن بعد ساعة جهادي الأخير أم هي ماثلة أمامي الآن؟ والحق أن البحر والحياة يحيطان بي بجمالهما الفتان ويعلقان أبصارهما علي.
فيا لعصر حياتي، يا للسعادة تتقدم ساعة المساء، يا للمرسى في وسط العباب، يا للسكون في قلب الارتياب، إنني أحاذركن ولا أثق بكن جميعا.
أما والحق إنني أخشى جمالكن الغدار كما يخشى العاشق ابتسامة تجاوزت حد التلطف في افترارها. إنني أدفع عني ساعة السعادة كالغيور يصد عن محبوبته، ولما يزل العطف يتجلى في قسوته وجفائه.
بعدا لك أيتها الساعة السعيدة! فقد اجتاحتني بحلولك غبطة قاسرة، وأنا أتوقع أعمق الأحزان. لقد جئتني في غير الأوان.
بعدا لك أيتها السعادة السعيدة! اذهبي واطلبي لك ملجأ هنالك في مقر أبنائي، سارعي إليهم وباركيهم قبل حلول المساء وأنيليهم سعادتي.
لقد اقترب الغسق وجنحت الشمس إلى الغروب فتوارت عني سعادتي.
صفحة غير معروفة