هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد

فليكس فارس ت. 1358 هجري
145

هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد

تصانيف

إن كل مريد يتألم لأنه لا قبل له بالرجوع إلى الماضي لرد ما فات، ولهذا لزم أن تكون الإرادة بل كل حياة على الإطلاق كفارة وعقابا.

بمثل هذه الاعتقادات تلفع العقل بالغيوم فانبثق منه الجنون هاتفا: كل شيء يزول، فكل شيء يستحق الزوال.

إن العدل نفسه يقضي بأن يفترس الزمان أبناءه، هذا ما أعلنه الجنون.

لقد وضع الناموس الأدبي وفقا للحقوق وللعقاب، فأين المفر من نهر الحياة الجارف؟ وما الحياة إلا عبارة عن عقاب، وهذا أيضا ما أعلنه الجنون.

ليس من حادث واحد يمكننا أن نزيله من الوجود، فهل للعقاب أن يمحو الحادثات؟ وهل من خلود لغير الأعمال في وجود لا ينفك يحول العمل عقابا والعقاب عملا؟ ولا مناص من هذه الحلقة المفرغة ما لم تتوصل الإرادة إلى الفرار من ذاتها فتصبح حينذاك إرادة منفية.

إنكم تعرفون، أيها الإخوة، هذه الأغاني التي يتشدق بها الجنون، وقد أقصيتكم من سماعها عندما علمتكم أن الإرادة مبدعة، كل ما فات يبقى مبددا منثورا كأنه أسرار ومصادفات رائعة إلى أن تقول الإرادة: إنني أنا أردت هذا، ثم تقول: وهذا ما أريده الآن وسأريده غدا.

هل نطقت الإرادة بمثل هذا حتى اليوم؟ وأي متى ستنطق به؟ هل هي تملصت من قيود جنونها فأصبحت تفتدي الحادثات بعزمها وتبشر بالحبور؟ هل هي اطرحت فكرة الانتقام وتوقفت عن حرق الأرم من كيدها؟ من ترى تمكن من تعليمها مسالمة الزمان بل ما يفوق هذه المسالمة؟

يجب على الإرادة ولا أعني سوى إرادة الاقتدار أن توجه مشيئتها إلى ما هو أعظم من المسالمة، ولكن أنى لها ذلك ومن سيعلمها أن توجه هذه المشيئة إلى ما فات؟

وتوقف زارا عن الكلام فجأة كأن رعبا شديدا حل به؛ فاتسعت حدقاته وشخص بأتباعه سابرا أفكارهم غير أنه ما لبث أن عاد إلى الضحك، فقال بكل هدوء: ما تهون الحياة بين الناس لأن الصمت صعب على المرء وخاصة إذا كان ثرثارا.

هكذا تكلم زارا ...

صفحة غير معروفة