قال حسن : «وما ظنك بمن في الهودج؟»
قال: لا أظنه هودجا وإنما هو محفة. ولا يبعد أن يكون فيها بعض النساء أو ربما كانت فيه ابنته سمية لأنه ليس له سواها.»
فلما سمع حسن اسم حبيبته تجددت أشجانه، وتذكر أن بلالا لا يعلم شيئا من أمره مع سمية، فضاقت نفسه عن كتمان سره ولكنه تجلد وقال: «أتظنه يحمل ابنته معه إلى هنا في مثل هذه الظروف؟»
قال: «لا أخاله يفعل ذلك، وهب أنه حملها فلا أظنه يبقيها محبوسة لا نسمع لها صوتا، ولا سيما أن المحفة ضيقة لا تكفي لكي تنام فيها.»
فاطمأن قلب حسن على سمية ولكنه بقي مشغول الخاطر بأمر المحفة، وهم بأن يعود إلى سؤال بلال في شأنها، فإذا بهذا يبتدره قائلا: «ليس في المحفة فتاة ولا امرأة، فقد تذكرت الآن أن لهذا الرجل محفة قد احتفظ بها في منزله لا يطلع أحدا على ما فيها، وأهل المدينة مشتاقون لمعرفة سرها. فلعلها هي هذه.»
فازداد حسن شوقا إلى معرفة سر المحفة، ولكن القلق عاوده من جهة ما حمل عرفجة على القدوم في هذا الليل، فقال بلال: «متى نذهب إلى ابن علي؟»
قال: «عند طلوع الشمس.»
فعاد حسن إلى فراشه، واضطجع بلال بباب الخيمة. وقضيا ما بقي من الليل بين نوم وتقلب وهواجس، ولما طلع النهار نهضا وخرجا فما كاد حسن يلتفت إلى موضع الجملين وراء خيمته حتى بغت إذ لم يجد لهما أثرا، وظن أن عرفجة قد سافر.
وواصلا سيرهما بين الخيام، وهي على مرتفع من الأرض متشعب، به للخيل والجمال مسارح وقد خرج الخدم ليقدموا لها علفها. فلما بلغ خيمة محمد، وكانت رحبة عالية قائمة على عمد عديدة، رأيا بابها مسدلا فعلما أن محمدا في شاغل، فتحولا إلى خيمة صاحب بلال وهي ملتصقة بها، فلما دخلا عليه رحب بهما وأدخلهما وهو يشير ألا يتكلما، فدخل حسن ونظر من كوة في الخيمة تطل على خيمة الأمير فرأى محمدا جالسا وبين يديه رجل قصير القامة عرف أنه عرفجة، فقال في نفسه هذه فرصة لا ينبغي أن نضيعها ويجب أن نطلع على سر هذه المقابلة. وتفرس حسن في محمد فإذا هو كبير الوجه وقد بانت ملامح الشيخوخة وهو لا يزال كهلا، ولكنه كان يخضب لحيته بالحناء والكتم فلا يظهر فيها الشيب، على أن دلائل القوة لا تزال ظاهرة في كفيه ووجهه وعينيه.
وخاف حسن أن يكون في تطلعه هكذا ما يؤاخذ به صاحب بلال، فأراد أن يعتذر فتظاهر بالرغبة في الخروج فقال له الرجل: «تفضل يا مولاي واجلس فإني أحب الاطلاع على غرض هذا الرجل من هذه المقابلة السرية التي يزعم أنها ذات بال، ولقد ساءني بخشونته حتى صرت لا أبالي كتمان سره.»
صفحة غير معروفة