قال: «تعال إذن.» وأمسكه بيده فأدخله الخيمة وأراه الجملين والعبد النائم تحت الهودج، وقص عليه ما كان من أمرهم إلى أن قال: «فهل تستطيع مخاطبة هذا العبد لتعرف منه الغرض من قدومهم؟»
قال: «ذلك شيء يسير.» ثم خرج من باب الخيمة ودار حتى دنا من الجملين وحسن ينظر إليه من شق الخيمة فرآه يقترب من العبد رويدا رويدا حتى دنا منه وتفرس في وجهه والعبد نائم ثم انكفأ راجعا مسرعا حتى دخل الخيمة، فبادره حسن سائلا: «لماذا لم تخاطبه؟!»
قال: «لأني أعرفه وأعرف حكايته.»
قال: «وكيف ذلك؟»
قال: «اجلس لأقص عليك ما يغنيك عن كثرة البحث: لقد نمت أول الليل بباب هذه الخيمة ولكنني ما لبثت أن استيقظت وأخذت أفكر في حيلة نستطيع بها مقابلة محمد غدا حتى لا يطول مكثنا. وخفت أن يكون علينا بأس إذا عرفوا مدخلنا ومخرجنا وغرضنا فرأيت أن أذلل العقبات وأنت نائم، فنهضت وسرت إلى رجل من المقربين إلى الأمير كنت قد عرفته أيام كنا بالمدينة ولي عليه دالة. فلقيت الرجل في خيمة له بقرب خيمة ابن الحنفية وبينهما طريق مفتوح، يدخل عليه صاحبي منه من باب خاص دون سائر الناس، فلما أتيته رحب بي وأكرمني وسألني عن أمري، فقلت له إننا جئنا نلتمس من الأمير وسيلة ندخل بها مكة. فوعدني خيرا ثم أجلسني وجعل يسألني عن حوادث مرت بنا قديما وأمور يهمه الاطلاع عليها، وكلما هممت بالنهوض أقعدني حتى طال بي الجلوس. وبينما أنا أهم بالنهوض سمعنا وقع أقدام خارج الخيمة على غير انتظار فأقعدني صاحبي وخرج وهو يقول: «من الرجل؟» وسمعت من يجيبه قائلا: «أنا عرفجة.» ولما كنت أعرف رجلا اسمه عرفجة كان يتردد على عامل المدينة وكثيرا ما رأيته في دار الإمارة خرجت لأحقق أمره فرأيت الرجل ملثما ولكنني عرفت أنه هو صاحبي هذا من صوته وقامته.»
وهنا تذكر حسن أن الصوت الذي سمعه لما أناخ الرجل الجملين يشبه صوت عرفجة، فبغت واستغرب مجيئه في هذا الليل، وتبادر إلى ذهنه أنه ربما علم بقدومه فجاء للوشاية به لدى ابن الحنفية، ولكنه استبعد ذلك لعلمه أنه ليس على وجه البسيطة رجل عرف بخروجه من المدينة غير سليمان وأبيه وخادمه بلال. ثم على فرض أن عرفجة عرف بمسيره إلى مكة فكيف يعرف أنه في هذا الشعب؟! ولكن إذا كان هو عرفجة فمن عسى أن تكون التي جاءت معه في الهودج؟ إنه غير متزوج وليس عنده من النساء إلا ابنته سمية، فهل هي التي في الهودج؟ وخفق قلبه وتصاعد الدم إلى وجهه. كل ذلك وبلال واقف بين يديه ينتظر إشارته لإتمام حديثه.
فقال حسن: «هل عرفت الغرض من قدوم هذا الرجل في هذا الليل؟»
قال: «كلا يا مولاي؛ لأني رأيته يحدث صاحبي همسا فرأيت أن أنصرف لأخلي لهما المكان. ولما استأذنت صاحبي ناداني إليه وقال: «موعدنا غدا إن شاء الله.» فعلمت أنه لا يزال على وعده فأتيت وآثرت النوم بباب الخيمة إلى الصباح.»
فقال حسن: «وما الذي عرفته من أمر العبد النائم بجانب الجمل؟»
قال: «عرفت أنه قنبر خادم عرفجة، وهو عبد سمج الخلق فظ الطبع يعرفه كل أهل المدينة.»
صفحة غير معروفة