فقال حسن: «وماذا ترى أن نصنع الآن؟»
قال: «إن ابن الحنفية مقيم الآن بالشعب في جوار مكة، فإذا شئت نزلنا عنده الليلة ثم نرى ما يكون في الغد.»
فقال: «وهل تعرف الطريق إليه؟»
قال: «عرفته في أثناء غيابي عنك الآن، وقد أوصاني بك مولاي أبو سليمان خيرا أراك أهلا له ... فأنا خادمك حتى تبلغ مأمنك.»
فقال حسن: «بورك فيك.» وأخذ يهيئ رحله للركوب وبلال يساعده ويقول: «إني أرى مكة في ضيق شديد، وأخاف على ابن الزبير من عاقبة هذا الصبر، فإن الأمويين غالبون آخر الأمر على ما أرى.»
فتذكر حسن ما هو قادم لأجله وخاف الفشل، ولكنه صبر ريثما يدخل مكة في الغد.
سار حسن وبلال حتى أتيا أرضا صخرية مشيا بين شقوقها، ثم صعدا تلالا أشرفا منها بعد قليل على شعب بعيد أوقدت به نار لهداية الضيوف كما هي العادة عند العرب. وهم حسن بأن يسأل بلالا فإذا بهذا يقول له: «إننا على مقربة من الشعب. وعما قليل تبدو لنا الخيام ونسمع صهيل الخيل، فهل تريد أن ننزل في دار الأضياف رأسا أم نقصد خيمة محمد نستأذنه ونخاطبه في أمر دخولنا مكة؟»
قال: «أخشى أن يكون في ذهابنا الآن إلى خيمته ما يزعجه، فلنترك ذلك إلى صباح غد.»
قال: «إذن نذهب إلى دار الضيافة؛ فإنهم لا يسألون القادم إليها عن سبب قدومه، ومتى أصبحنا نرى ما يكون. وربما خرجت أنا الليلة لأدبر الأمر.»
فأثنى حسن على غيرته. وبعد قليل لاحت لهما خيام عديدة منصوبة على غير نظام يتوسطها فسطاط كبير عرفا من اتساعه ووقوف بعض الخدم ببابه أنه فسطاط محمد بن الحنفية، فوقف بلال برهة وهو يتفرس في الخيام حتى تبين خيام الأضياف وعرفها من انفرادها عن سواها وقربها من النار. فسارا حتى اقتربا منها فسمعا لغطا وكلاما. ثم ترجل حسن، وسبقه بلال إلى أقرب الخيام فلقيه رجل رحب به وسأله عما يريد، وطلب إليه أن ينتسب، فانتسب، وقال: «إننا أضياف غرباء.» فأنزلهما على الرحب والسعة، وأفرد لهما خيمة ليس فيها أحد. فدخل حسن، وأعطى بلال الجمل لأحد الخدم ليأخذه إلى المعالف، ثم عاد إلى حسن فوجد عنده طعاما أعده القوم، فأكلا، ثم خرج بلال على أن يعود بعد قليل، وتوسد حسن على فراش من جلد فرشوه له، وكان التعب قد أخذ منه مأخذا عظيما فغلب النعاس عليه فنام، ولكن هواجسه لم تنم معه فتحولت إلى أحلام مزعجة رأى فيها أنه دخل مكة وقد دخلها الحجاج وقبض عليه وحبسه وقيده، فشق ذلك عليه وانزعج، ثم أفاق من نومه مذعورا فشكر الله لأن ذلك كان حلما، ولكنه تشاءم وغلب عليه الأرق فجعل يتقلب والنوم لا يأتيه. فأراد رؤية بلال لعله يقص عليه ما يتسلى به ريثما يطلع النهار، وخرج للبحث عنه عند باب الخيمة حيث ظن أنه نام هناك، وناداه فلما لم يجب ظنه مستغرقا في النوم، ثم ما لبث أن تبين أنه لم يعد بعد، وتفرس في النجوم فعلم أنه في الهزيع الأخير من الليل، فقلق على بلال، ثم التف بردائه اتقاء البرد، وخرج ليبحث عنه حول الخيام.» •••
صفحة غير معروفة