ومن الملاحظ على هذا القول، أن حافظ نجيب ولأول مرة، لم يبرر اتهامه في إحدى القضايا بأنها من تلفيق فيزنسكي! هذا بالإضافة إلى أنه لم يوضح ما هو هذا الحساب الذي بينه وبين الحكومة! بل ولم يوضح ما هي القضية نفسها، وما هو الاتهام الموجه إليه! وهذا التعتيم يثبت أن حافظ نجيب بالفعل قام بمجموعة من الجرائم، أوجبت محاكمته، وكأن هذا التعتيم اعتراف صريح من حافظ بأنه مجرم يستحق المحاكمة والسجن! وبالرغم من ذلك نجده يقول لصديقه خليل حداد: «لن أنفذ أي حكم من الأحكام التي ستصدر ضدي، سأترك لهم اسم حافظ نجيب يكيلون له التهم ويصدرون عليه الأحكام كما يشاء خصومي، سأختفي من العالم بجسمي وأترك لهم اسمي، وسأحمل أسماء كثيرة أختارها للظروف المتنوعة والمناسبات، فيعجزون عن الاهتداء إلي ويتعذر عليهم تنفيذ الأحكام.»
35
وحقيقة الأمر أن حافظ نجيب، قام بكم كبير من قضايا النصب والاحتيال، فتم الحكم عليه غيابيا بالسجن لسنوات كثيرة، وهذا يفسر لنا العدد الكبير من الشخصيات التي انتحلها وتنكر فيها، هربا من تنفيذ الأحكام! وهي شخصيات جاءت في اعترافاته عام 1946، ومن قبل جاءت في قصصه المؤلفة - والتي يعترف بأنه بطلها - والمنشورة في مجلتي «العالمين» و«الحاوي» منذ عام 1923. ومن هذه الشخصيات: الجاسوس الأخرس، الرجل البدين، عم دؤدؤ أو الحاج فرغلي، الخادم مبروك أو حسن، المسيو بنفيه، البارون دي ماسون، الشيخ صالح عبد الجواد، الراهب غبريال إبراهيم، الراهب غالي جرجس أو فيلوثاؤس، البارون ماير أو شنيدر، المسيو توندور، الخواجا غالي، مسيو أنطوان دوريه، بنفيه خادم الملكة ناتالي، محمد صبحي، الشيخ بكر! وقد أضاف الزركلي في أعلامه شخصيات أخرى تنكر فيها حافظ نجيب، وهي الأمير يوسف كمال، ابن أخي أفلاطون باشا، المندوب السامي العثماني!
36
ويبرر حافظ نجيب تنكره في هذه الشخصيات، بقوله : «في صدري غل من الهيئة الاجتماعية بسبب حملات الصحف علي اعتباطا لتلويث اسمي واعتقاد الناس صحة ما ينشر بدون وزنه. ولجوء الجميع إلى التندر بهذا الاسم مع الإسراف في تخيل حكايات ونوادر ينسبونها إلي كما كانوا يفعلون بجحا، فدفعني هذا الغل إلى التنكر للرأي العام وللهيئة الاجتماعية ثم استخففت بالقوانين والأخلاق والعادات والتقاليد وتعمدت أن أعيش في حرية مطلقة بدون تقيد بنظم الاجتماع.»
37
وقبل أن نختتم الحديث عن صورة حافظ نجيب في اعترافاته، سنحاول الإجابة على سؤال يقول: لماذا كتب حافظ نجيب اعترافاته؟! وهل كان في حاجة إلى كتابتها قبل وفاته؟! وتجيب على هذا السؤال «سعدية الجبالي»
38 - ناشرة الاعترافات بعد وفاته عام 1946 - قائلة: «أرغمت الأستاذ حافظ نجيب على نشر اعترافاته في حياته بدلا من نشرها بعد مماته، لأمكن الناس من تكذيب ما لا يصدقونه، ولأمكنه من الرد عليه، فلا ينهشون لحمه وهو جثة كما نالوا منه بنشر الأكاذيب والخرافات وهو مطارد عاجز عن الدفاع عن نفسه. إن جلجلة صوت الحق تدمغ الباطل وتفزع الجبان.»
39
وهذا القول يعني، أن سعدية الجبالي كانت تهدف من نشر الاعترافات تكذيب كل ما أشيع عن حافظ نجيب! فهل قامت الاعترافات بالتكذيب حقا؟! أنا أرى أن الاعترافات رسخت الأكاذيب وجعلت منها حقائق ثابتة! وأي تكذيب ينفع أمام اعتراف حافظ نجيب بجحوده لأهله ... وبشربه للخمر ... وبارتياده للبارات والملاهي ... وبمجالسته للساقطات والراقصات وبنات الهوى ... وبقيامه بارتكاب الكبائر! ومن العجيب أن هذه الأمور بالنسبة إلى حافظ نجيب لا تعتبر من الأخطاء، بل هو يفتخر بذكرها؛ لأنها مفيدة للناس؛ لأن هناك أفظع منها خجل حافظ من ذكرها، فتجنبها في اعترافاته! وفي ذلك يقول: «في ماضي كثير من الأخطاء وقليل لا يشرف ذكره ولا يفيد الناس عرضه، وحب الذات يقتضي كتمانه ونسيانه ومحوه من ألسنة الناس بمرور الزمن.»
صفحة غير معروفة