فتنمر معاوية وقال لحصين وزياد يسمعُ يا حصين إن لك رأيًا وتعقلًا، فما فرق أمر هذه الأمة فسفكت دماءها، قال قتل عثمان، قال: صدقت، إن الخلافة أمر من أمر الله وقدره، لا تصلح لمنافق ولا لمن ضل وأعان ظالمًا، يعرض بزياد أنه أعان عليا ﵇، ففطن زياد واعتذر إلى معاوية وقال: يا أمير المؤمنين، راجزٌ رجز بما لم يكن عن أمري ولا علمي يصير ذنبًا لي! أعيذك بالله من هذه الظنة التي لا تجوز لك ولا تحسن بك، فقبل معاوية ذاك وأمسك.
٩٦ - وحكى مسرور الخادم قال: أمرني الرشيد بقتل جعفر بن يحيى، فهجمت عليه في الوقت، فوجدته يشرب، وبين يديه أبو زكار، المغني الأعمى وهو يقول:
عداني أنْ أزورك غيرَ بغضٍ ... مقامك بين مصفحة سداد
فلا تبعدْ فكلُّ فتىً سيأتي ... عليهِ الموتُ يطرقُ أو يغادي
فقلت له: يا أبا الفضل الذي قد جئت له والله من ذاك قد والله طرقك، فأجب أمير المؤمنين، قال فدعني أوصي، فتركته فأوصى بما أراد، وحملته فحززت رأسه، وفي ذلك يقول الرقاشي:
أيا سبتُ يا شرَّ السُّبوتِ صبيحةً ... ويا ضفرُ المشؤومُ ما جئتَ أشأما
أتى السَّبتُ بالأمر الذي هدَّ ركننا ... وفي صفرٍ جاءَ البلاءُ مصمما
وفيه يقول أيضًا:
الآنَ استرحنا واستراحت ركابنا ... وأمسكَ من يجدي ومن كان يجتدي
وقل للمنايا قد ظفرتِ بجعفرٍ ... ولن تظفري من بعدهِ بمسوَّدِ
وقل للعطايا بعد فضلٍ تعطَّلي ... وقلْ للرزايا كلَّ يومٍ تجددَّي
ودونكَ سيفًا برمكيًا مهندًا ... أصيبَ بسيفٍ هاشميٍّ مهنَّدِ!
٩٧ - وقيل: كان فرج الرخجي مولى لحمدونة بنت الرشيد المعروفة بحمدونة بنت عضيض، ولحق ولاؤه الرشيد، وكان زياد أبو فرج معن بن زائدة، وسبي معه فرج ابنه عند غزو معنٍ الرخج.
قال عمر بن فرج: حدثني أبي قال: كنت مع أبي زياد إلى حين سبانا معن، وكان قد غنم غنائم جليلة من الرخج وسبيًا عظيمًا، فنزل في معسكره، وحطت الأثقال، ونزعت السروج (عن الدواب) فينا نحن على ذاك إذ بصرنا بغبار عظيم، فظن معن أنه الطلب، فأمر قتل الأسرى، فقتل في ساعة واحدة أربعة آلاف أسير، وخبأني أبي تحت الأكف، وقال: لعلك إن قتلت أنا سلمت أنت! ثم أقشع الغبار عن حمير وحش، وبقي عدد يسير من الأسرى، فرفع السيف، وكان ذلك الغبار المشؤوم بقتل أربعة آلاف نفس.
وهذا قصر فرج الذي ببغداد قصره، ولم يزل في يده وفي يد عمر ولده إلى أن قبضه المتوكل عن عمر، ونظر أعرابي إلى بناء قصر فرج فقال:
لعمركَ ما طولُ البناءِ بنافعٍ ... إذا كان فرعُ الوالدين قصيرا
٩٨ - وحكى أبو عبيدة قال: كان عجل بن لجيم من محمقي العرب، فقيل يومًا إن لكل فرس اسمًا، فما اسم فرسك فإنه جواد؟ قال: لم اسمه، قالوا: فسمه، ففقأ إحدى عينيه وقال قد سميته الأعور! وفيه يقول الشاعر:
رمتني بنوُ عجلٍ بداءِ أبيهمُ ... وهلْ أحدٌ في النَّاسِ أحمقُ منْ عجلِ
أليسَ أبوهم عاب عينَ جوادهِ ... فسارت به الأمثالُ في النَّاسِ بالجهلِ
٩٩ - وحدث الصولي بإسناده ذكره عن عمرو بن محمد الرمي قال: كان على بيت مال المعتصم رجل من أتهل خراسان يكنى أبا حاتم، فخرجت لي جائزة فمطلني بها، وكان ابنه قد اشترى جارية مغنية تسمى "قاسم" بستين ألف درهم، فعملت فيه شعرًا أهجوه به، وجلست ألاعب المعتصم بالشطرنج، ويلعب بين يديه فلما في نفس من أمر أبي حاتم وغيظي منه غفلت عن كوني ألاعب المعتصم وأنشدت هجوي له، وكان:
لتنصفني يا أبا حاتمٍ ... أو لتصيرن إلى الحاكم
فتعطي الحقَّ على ذلة ... بالرغم من أنفكِ ذا الرَّاغم
يا سارقًا مالَ إمامَ الهدىَ ... سيظهرُ الظلمُ على الظالم
ستونَ ألفًا في شرا قاسمٍ ... من مالِ هذا الملكِ النائمِ
1 / 17