والشعر لعضد الدولة أبي شجاع بن بويه، فقال له الآخر: أف منك ومن هذا الشعر! فإعادة ذاك إنشاد البيت على مذهب الشطرنجيين في مغايظة ملاعبيهم وتكرار ما يثقل عليهم، فال له: هذه شعرة لا شعر! فردده وكرر ذلك كالسب للشعر وقائله، وعضد الدولة يسمعهما، إلى أ، فرغا من دستهما، ونهض واستدعى أبا علي بن محمد أستاذ الدار، وتقدم إليه بضربهما مائتي سوط، وأن يأمرهما بألا يتكلما بعد يومهما على الشطرنج بشيء، فعل ذاك، وعرفا ما كان منهما، وأنه السبب فيما جرى عليهما.
٦١ - وبالضد من هذه الحكاية أن عضد الدولة وصف له ابن الصقر يلعب الشطرنج والتقدم فيه، وكان من العمال المتقدمين، وإليه عمالة البلاد العليا، فتقدم بإحضاره، وأجلس معه من يلاعبه ممن يجري في طبقته، فأجاد ابن الصقر، وغلب محاذيه دستًا، واستحسن عضد الدولة لعبه، ولعب الدست الثاني وفكر وفي نفسه وقال: متى واصلت غلب هذا المحاذي استحسن عضد الدولة لعبي ونقلني من الرئاسة والعمالة، وهي المنزلة الزرية والرتبة الدنية، وليس لي غير ما أقصر في لعبي وأتغالب لتزول هذه السمة عني! ولاح له في الدست أن يلعب بفرسه ضبة يغلب محاذيه بها، وفراغ عنها ولعب بغيرها، فقال له عضد الدولة: العب بفرسك، فإني أردك إلى عملك! فقبل الأرض ولعب بفرسه، وغلب الدست، ورده إلى العمل وأعفاه من اللعب.
٦٢ - ودخل الزكي أبو علي العلوي يومًا على بعض الرؤساء فجالسه وحادثه فهما في ذلك إذ حضر صاحب ذلك الرئيس فقال: يا سيدنا أي الخيل نسرج اليوم؟ فقال اسرجوا العلوي: سمةٌ لفرس له يعرف بذلك، فقال الزكي: أحسن اللفظ يا سيدنا فاستحيا الرجل وقال: غفلة لا يؤاخذ عليها.
٦٣ - وحضر يومًا بعض المغنين مجلس الملك جلال الدولة بن طاهر ابن بويه فغناه:
وبتنا جميعًا لو تراقُ زجاجةٌ ... منَ الخمرِ فيما بيننا لم تسرَّبِ
فقال جلالُ الدولة: صدقت! أقيموه، فأقيم وصرِف
٦٤ - وحدثني أبو سعد محمد بن علي المانداي قال اجتاز المرتضى أبو القاسم نقيب العلويين، يوم جمعة على باب جامع المنصور، وبحيث يباع الغنم، فسمع المنادي عليها يقول: نبيع هذا التيس العلوي بدينار! فظن أنه قصده بذاك، وعاد إلى داره، وتألم إلى الزير مما فعل به، وكشف عن الحال فوجد أن التيس إذا كان في رقبته حلمتان (متدليتان) سمي علويًا، تشبيهًا بشعرتي العلوي المسبلتين على رقبته.
٦٥ - واجتاز أبو الفرج بن الأقساسي العلوي الكوفة، كان أعرج أحول فسمع مناديًا ينادي على تيس ويقول: بكم علكم هذا التيس العلوي الأحول الأعرج، فلم يشك أنه عناه، فراغ عليه صفعًا وضربًا إلى أ، تبن أن التيس أحول أعرج، فخلاه، وضحك الحاضرون مما اتفق في معناه.
٦٦ - وحدثني المانداي وقال: كنت يومًا ند أبي البركات العلوي المدائني وهناك ابن عبد السميع الهاشمي وجماعة حضور، فانجر الحديث إلى أن حكين له حكاية كانت (مع رجل) في جوارنا بنهر طابق يقال له ابن نفاط، وقلت: إنه استدعى خياطًا فصل له ثيابًا وأقعده بخيطها بين يديه، وجاء الليل وأحضرت الشمعة، فقال للخياط: حدثني بشيء من سير الفرس وأخبارهم، فلم يفهم عنه ما قاله، فضلًا عن أن يحدثه بما التمسه، وقال: يا سيدنا ما أعرف شيئًا من ذاك ومن هؤلاء الفرس ومتى كانوا وأين كانوا!! فقال إنا الله، فهات شيئًا من سيرة النبي ﵇ وأخباره وفتوحه وأفعاله وما جرى له من قريش! فقال يا سيدنا ما اعرف إلا أنه رسول اله تعالى، فأما تفصيل ذلك فعند غيري، وعل من تشاغل به، ولم ينكمش على مثل صنعتي، فأنشد قائلا:
غفلٌ من النَّاسِ ليسَ فيهِ ... موضعُ هجوٍ ولا مديحِ!
ثم قال: فاقرأ خمس آيات من القرآن لنقطع زماننا بشيء يكون ثواب وأجرٌ، فقال: والله العظيم ما أعرف إلا ما أصلي به، على غير إتقان له ولا علم على الحقيقة به! فقال: ويلك فما سمعت أحدوثة في بيتك ومن أهلك ومن يضمه ذراك؟ فقال: أفمن هذا تريد؟ السمع والطاعة، ثم قال: كانت فأرة ..
قال: أي شيء هذا مما يتحدث به! هات.
فقال: كنست بيتها ..
قال: والفأرة مسك مكنسة! وتفهم الكنس! وأي بين لها بخضه، هذا جنون، ولكن هات ما عندك لننظر آخره! فقال: وجدت حنطاية ..
فقال: حنطاية! ما هي؟ قال: طعام ..
قال: يجوز أن يكون في أعشاش الفأر طعام ..
1 / 13