بل أكثر من هذا، كانت الكسوة الموضوعة على القبر كسوة قديمة باهتة لا تكاد تستطيع أن تتبينها من كثرة ما علاها من غبار، وكانت «القراضة» قد تولت نهش حروف الآيات القرآنية المكتوبة بالقماش فوقها، وكانت رائحة العطن تشيع من المكان، والظلام الرابض تحس أنه ليس ظلاما ولكنه نور قديم، من طول ما مكث مدفونا تحول إلى ظلام.
وعدت أدراجي ومعي قطعة كبيرة من الشمع، اقتلعتها من الأرض، ونفضت عنها الرمال، على أمل أن تصلح لشيء ما.
ولكني حين عدت إلى بيتنا احترت ماذا أصنع بها، صنعت منها كرة ثم قلة، ثم أفقت لنفسي فوجدتني أصنعها على هيئة قبر له رقبة طويلة وعمامة خضراء.
وأعجبني التمثال الذي صنعته للقبر إلى درجة استخسرت معها أن أغيره أو ألقيه، وأصبح كل همي أن أحتفظ به في مكان أمين، وظللت أفكر حتى وجدت أن أحسن مكان له هو طاقة من الطاقات التي تستعمل في برج الحمام.
وكنت أعجب لنفسي طوال اليوم، وأستغرب لماذا لم أعد أفكر في السلطان حامد؟! ولماذا يرفض عقلي أن يخوض في مشكلته؟! كنت أحس به غريبا عن نفسي تماما، وكأنه لم يخطر لي أبدا، وكأنني لا أعرفه ولا يهمني أن أفكر فيه، وأحيانا كان يدفعني العجب وأحاول أن أرغم نفسي على التفكير فيه، فلا أستطيع.
وقلت لنفسي: ربما أفكر غدا.
ولكن الغد جاء ولم أفكر فيه.
بل مضت مدة طويلة جدا، ربما عام، ربما أعوام، والسلطان حامد لا يخطر لي على بال.
أتأخذ عقولنا أحيانا كل هذا الوقت الطويل لكي تفكر في أمر ما؟!
لقد استيقظت ذات صباح وأنا أفكر في السلطان حامد، وكنت أفكر فيه بطريقة أخرى؛ فهل كان هذا السلطان واحدا من أهل بلدنا؟ ومن أي عائلة هو إن كان؟ ومن هم أحفاده وذريته من بعده؟
صفحة غير معروفة