وقال له أبوه: لا يتورعون عن فصلك من الكلية.
وقال حامد: إني وفدي مثلك، ولكن لا بد من النصيحة.
وكان الشاب لا يخفي احتقاره لآل عطا وآل داود، وكان يشعر بفتور عواطف أبيه نحوهما، وتهكمه عند كل مناسبة بأصلهما. ومضى أمير يتألق في سماء السياسة في أوساط الشباب الوفدي، ويقدم لزعماء الوفد، ويطير بطموحه الوطني إلى آفاق بعيدة. وحاول شقيقه لبيب - وكان وكيل نيابة في ذلك الوقت - أن يفرمل من اندفاعه ولكنه قال له: قد عرفت سبيلي ولن أتراجع عنه.
فسأله بهدوئه الطبيعي: وإذا رفت ونحن فقراء كما تعلم؟
فقال بثقة: في تلك الحال أعمل في الصحافة.
ولكنه لم يرفت ولم يعمل في الصحافة ولم يواصل جهاده السياسي. ففي أوائل عهد إسماعيل صدقي، وفي طوفان المظاهرات التي قامت احتجاجا على إلغاء دستور 1923، أردته رصاصة قتيلا في شارع محمد علي. وقد تولى رجال الأمن دفنه مع كثيرين حتى لا تهيئ جنازاتهم فرصة لقيام مظاهرات جديدة، ولم يسمح لشهود دفنه إلا لأبيه وعمه وإخوته، وقد هز موته المبكر آل سرور من الأعماق، وكذلك آل عمرو، وتذكروا ما قاله له الشيخ قاسم في آخر زيارة لبيت عمه: سترفع العلم الأحمر.
فأولوا قوله بأنه إشارة إلى دمه المسفوح يوم استشهاده!
حرف الباء
بدرية حسين قابيل
ولدت في شقة بعمارة حديثة بشارع ابن خلدون، فكانت بكرية حسين قابيل تاجر التحف بخان الخليلي وسميرة كريمة عمرو أفندي والرابعة في ترتيب ذريته. وكان الحي يعبق برائحة اليهود المتفرنجين. وكانت العذوبة في ملامحها والرشاقة في أطوار سلوكها. وكانت إذا زارت البيت القديم في بيت القاضي بصحبة والديها لفتت الأنظار بنضجها المبكر. ويضحك جدها عمرو أفندي ويقول: الظاهر أنها ستستعمل الحجاب والنقاب قبل الأوان.
صفحة غير معروفة