هنا يتوقع لوكاتش التحليل التقويضي للوعي الذي قدمه جيل لاحق من «الماركسيين الغربيين»، ولكن الإخفاق هنا في إدراك حقيقة أن الحلقة السريالية الحقيقية الوحيدة، على سبيل المثال، في يوليسيس (سيرس) كوميدية، وتشمل نقدا حادا لأبطال القصة الأساسيين، بأسلوب فرويدي صوري، ليس الشيء الوحيد الذي اتضحت أهميته، وإنما الرفض الضمني المستتر للخطاب النقدي المستقل، كخطاب هذا الكتاب، تحيزا لحكم جماعي (غالبا ما يصاغ في الواقع من قبل الجمع)؛ إذ إن «الحشود الغفيرة ... لا يمكنها تعلم شيء من الأدب الطليعي؛ لما يشوب رؤيته من غلو في الذاتية، والارتباك، والتشوه». والشرط الواجب توافره لحدوث هذا التعلم هو التقنية التقليدية المعتمدة؛ وهي الواقعية، إلى جانب توافر الصلة «المناسبة» بالمجتمع:
أن يمتلك كاتب علاقة حية مع الإرث الثقافي يعني أن يكون ابنا للشعب، يحمله تيار تطور الشعب. وبهذا المعنى يكون مكسيم جوركي ابنا للشعب الروسي، ورومين رولاند ابنا للشعب الفرنسي، وتوماس مان ابنا للشعب الألماني.
عند هذه النقطة تلتقي الشمولية الماركسية والنازية في ازدرائهما لما هو «غير طبيعي».
وقد عرف إريك كوفمان صعود الحداثة بوصفها «حركة علمانية عظيمة للفردية الثقافية اجتاحت الفن والثقافة بعد عام 1880، واخترقت ببطء المقياس الاجتماعي لتحرير التوجهات في عقد الستينيات من القرن العشرين.» وكما رأينا، هذا هو الموقف، بصفة عامة، على الرغم من أنه كان هناك أيضا، داخل الحركة الطليعية التجريبية الحداثية، فنانون لديهم نزعة في الاتجاه الجماعي المضاد (كما في الحركة الاتفاقية المبكرة، وفي بعض الجوانب الفاشية الأولية من الحركة المستقبلية)، ولكن كلما توغلنا داخل التوترات السياسية لحقبة الثلاثينيات من القرن العشرين، نجد أزمة متنامية بالنسبة لجميع الفنانين بين الاستبطان، وتأكيد الذات والتعبير الفردي، ومزاعم الجماعية. ومن المثير، على نحو خاص، أن نرى الطرق التي حاول بها بعضهم التوفيق بين تقليد تجريبي وفردي، والدعم الذي يقدمونه للحراك السياسي الجماعي. فكان داي لويس، على سبيل المثال، يعتقد أن الشعراء كانوا «على وعي شديد بالعزلة الحالية للفرد، وضرورة وجود كائن اجتماعي؛ لعله يستعيد فكرة التبادل والمشاركة». وكان جورج أورويل يرى بالنظر إلى الوراء أن بعض الحلول المطروحة لهذه المشكلة لم تكن جيدة:
لقد خرجنا فجأة من ظلام الآلهة إلى جو أشبه بجو كشفي من الركب العارية والغناء الجماعي؛ فالأديب العادي بصدد الكف عن أن يكون غريبا مثقفا يميل نحو الكنيسة؛ ليصبح طالب علم ذا عقل متلهف يميل نحو الشيوعية.
عبادة القوة
كان البحث عن الولاء الجماعي، في نظر العديد من الحداثيين خلال تلك الحقبة، بحثا زائفا؛ فهو لم ينبع من رغبة للتجانس والتوحد وجدانيا مع أي مجتمع بعينه، ولكن للتوحد مع قائد بطولي استطاع حل مشكلات هذا المجتمع. وكان سيسيل داي لويس يرى هذا أيضا:
ها هو تأثير دي إتش لورانس يساعد مرة أخرى في تشويش القضية هنا؛ فنجدها تكمن، على سبيل المثال، في انشغال أودن بالبحث عن الرجل القوي بحق (في «الخطباء»)، وفي تبشير لورانس بالخضوع الروحي للفرد العظيم: «كل البشر يقولون إنهم يريدون قائدا. فلتدعهم داخل أرواحهم يخضعون لروح أعظم من أرواحهم.» وعلى الرغم من أن هذا لا يتناقض بالضرورة مع النظرية الشيوعية، فمن المحتمل عمليا أن يضفي طابعا فاشيا أكثر منه شيوعيا على الشعر.
إن عبادة الفرد «القوي بحق»، باعتباره القائم على تطبيق المسئولية الجماعية، توازي نزعة الفاشية لعبادة القوة، والتي يتبناها دي إتش لورانس من عدة أوجه في روايته «الأفعى ذات الريش» (1927)، وتناولها صديقه ألدوس هكسلي بالهجاء في روايته «نقطة مقابل نقطة» (1929).
لم تكن فكرة البحث عن قائد قوي تروق كثيرا لبرتولد بريخت، الذي قام في أمريكا بتلخيص «أوبرا البنسات الثلاثة»، من خلال كتابة مسرحية في عام 1941 عن هتلر في شخصية رجل عصابات من شيكاجو. وهو ليس الكاتب السياسي الوحيد الذي واجه التوتر بين الفرد والمجتمع، ومر بفترة أيد فيها هو نفسه فكرة الخضوع لسلطة سياسية، لتجسيد لاحق للسياسة اتسم بالطابع التجريبي والحداثي بوجه عام (وقد شاهدنا بدايات هذا خلال مناقشة «أوبرا البنسات الثلاثة» عام 1929، في الفصل الأول). وقد قام في مسرحياته التي ألفها خلال سنوات أزمة جمهورية فايمار، من عام 1929 حتى عام 1932، بتطوير شكل من المسرح (هو «المسرح التعليمي»)، وفيها كان يتم حث الناس من الطبقة العاملة على استكشاف القضايا السياسية الحيوية عن طريق التناوب في أداء أدوارهم الاجتماعية المختلفة ومواقعهم التكتيكية. وقد صممت هذه المسرحيات فقط لكي تؤدى للجماهير البروليتارية وبهم، وإبعادهم عن تأثير الفكر المثالي والمتزمت «البرجوازي».
صفحة غير معروفة