ولا أسهب هنا في بيان القواعد العامة التي تطبق على جميع الأمم، فقد فصلتها، بدرجة الكفاية، في كتابي
1
الذي وضعته؛ ليكون مقدمة لتاريخ الحضارات، فلندع، إذن، ما هو خاص بتكوين العروق، ولنقتصر على بيان الأخلاق التي تتميز بها العروق بإيجاز. (2) مبادئ تقسيم العروق: قيمة المقايسة بين الصفات التشريحية والخلقية والعقلية في ذلك التقسيم
يظهر، أول وهلة، أن أهم الصفات التي تتميز بها العروق البشرية هي الصفات التشريحية، كلون الجلد، ولون الشعر، وشكل الجمجمة مثلا، وذلك لأن الصفات التشريحية هي التي ترى حالا، ولكن الباحث إذا ما أنعم النظر في قيمتها اعترف بأنها لا تصلح لغير التقسيمات الثقيلة، فبلون الجلد والشعر يمكن تقسيم سكان الأرض إلى أربع جماعات أو خمس جماعات على الأكثر، وبشكل الجمجمة يمكن تقسيم كل واحدة من هذه الجماعات إلى زمرتين أو ثلاث زمر، ثم نقف عند هذا الحد، فإذا قسمنا البيض، أي جميع شعوب أوروبا، مثلا، إلى شعوب عريضة الجماجم وشعوب مستطيلة الجماجم، وشعوب شقر وشعوب سمر فإننا لا نصل إلى نتائج تذكر ما اشتملت هذه التقسيمات على أمم مختلفة كالفرنسيين والإنجليز والروس والألمان، إلخ.
فالصفات التشريحية، إذن، غير كافية لتمييز العروق البشرية، وما قلناه عن اختلاف العروق التي تتألف منها أمة، في الغالب، يثبت أن اللغة والديانة والجماعات السياسية ليست أصلح من تلك في تقسيم العروق.
وما عجزت عنه اللغات والأديان والجموع السياسية والصفات التشريحية تستطيعه الصفات الخلقية والعقلية، وهذه الصفات التي هي عنوان مزاج الأمة النفسي ذي العلاقة بتركيب الدماغ الخاص هي من الدقة ما لا نقدر على تقديرها بما لدينا من الوسائل والأدوات.
وليس من المهم، مع ذلك، أن ننفذ، فيما ننشده من التقسيم، إلى سر ذلك التركيب ما استطعنا أن نقدر ما هو عنوانه من الكفاءات الخلقية والعقلية.
وتعين الصفات الخلقية والعقلية تطور الأمة والدور الذي تمثله في التاريخ، فهي، لذلك، على جانب عظيم من الأهمية، فليعول على دراستها من يرغب في معرفة إحدى الأمم أكثر من أن يعول على صفاتها التشريحية.
ولن نستطيع أن نميز الراجبوتي الشجاع من البنغالي الجبان بشكل جمجمتيهما، بل نقدر على ذلك بالبحث في مشاعرهما، فنرى، إذ ذاك، عمق الهوة التي تفصل بينهما، ويمكننا أن نقايس بين جماجم الإنجليز وجماجم الهندوس من غير أن نكتشف بذلك سبب استخذاء 250 مليونا من هؤلاء لبضعة آلاف من أولئك مع أن دراسة صفات تينك الأمتين الخلقية والعقلية يكشف لنا ذلك السبب، وذلك باطلاعنا على شدة نمو خلق الثبات والعزم في إحداهما وضعفه في الأخرى.
والكفاءات العقلية والخلقية هي تراث العرق، وهي بواعث السير الأساسية، وهي ما سميتها في كتاب آخر بصوت الأموات، فالنظم هي وليدة تلك البواعث، ولا عكس، وتلك الكفاءات، وإن كانت مختلفة في أفراد العرق الواحد اختلاف صورهم، يتصف أكثر هؤلاء الأفراد بما يشتركون فيه منها اشتراكا ثابتا ثبات الصفات التشريحية الخاصة بالجنس.
صفحة غير معروفة