الفصل الأول
تاريخ الهند قبل المغازي الأوروبية
(1) مصادر تاريخ الهند
ليس للهند القديمة تاريخ، وليس في كتبها وثائق عن ماضيها، ولا تقوم مبانيها مقام الكتب ما دامت لا تزيد في القدم عن ثلاثة قرون قبل الميلاد، ولولا ما في قليل من الكتب الدينية من أكداس الأساطير التي يستشف منها بعض الحوادث التاريخية؛ لظل ماضي الهند مجهولا جهل ماضي جزيرة الأطلنتيد التي محيت بانقلاب جيولوجي فجاء ذكرها في الأساطير القديمة التي خلدها أفلاطون.
وأقدم المصادر التي يرجع إليها في تبين أثر للماضي المفقود أشعار ويدا الدينية التي كتبت في أدوار مختلفة، والتي تصل في القدم إلى ما قبل القرن الخامس عشر من التاريخ الميلادي تقريبا، ثم تأتي القصائد الحماسية المعروفة بمهابهارتا وراماينا وشريعة منو الدينية والاجتماعية.
وليست آداب الهندوس في عصرنا بأغنى منها في العصر الذي قبله، والمصادر الوحيدة التي يمكن مراجعتها في هذا الأمر هي المجموعات التي ألفها البورانا، ووضعت في أدوار مختلفة لا تجاوز القرن الثامن بعد الميلاد، وملئت بالخرافات العجيبة، وعطلت من أي تاريخ عطلا لا يستطيع العلم الحديث أن يستنبط معه كبير شيء، فالحق أن دور الهند التاريخي لم يبدأ إلا بعد المغازي الإسلامية في القرن الحادي عشر بفضل مؤرخي المسلمين.
ونضيف إلى تلك المصادر الناقصة أقاصيص السياح الذين زاروا الهند في القرون القديمة، وهذه الأقاصيص قليلة جدا، وليس لدينا مما هو خاص بما قبل المسيح سوى مختارات من أحدوثة ميغاستين السفير اليوناني لدى بلاط مغدها قبل الميلاد بنحو ثلاثمائة سنة، ولم ينته إلينا عن الثلاثة عشر قرنا التي انقضت بين ذلك الزمن القديم والمغازي الإسلامية غير قصتين للحاجين الصينيين فاهيان وهيوين سانغ اللذين زار أولهما الهند في القرن الخامس وزارها الآخر في القرن السابع، وذلك خلا ما ورد في كتب المؤلفين من شذور، وتعد قصة ثاني ذينك الحاجين، على الخصوص، أهم الوثائق التي وصلت إلينا عن الهند قبل الغزوات الإسلامية.
شكل 1-1: أجنتا. محراب معبد منحوت تحت الأرض، «يبلغ ارتفاع التمثال الكبير مترا واحدا و60 سنتيميترا.»
وما في كتب التاريخ من نقص كبير عن الهند يسفر عن أهمية الآثار الماثلة كالمباني والتماثيل والنصمات،
1
صفحة غير معروفة