حضارة العرب في الأندلس: رسائل تاريخية في قالب خيالي بديع
تصانيف
واستدفاعا لمكره وكيده، واستجلابا لعطفه ووده، واستظهارا به على آخذ بلاده «بلاد قسطنطين» المعز لدين الله،
103
وكان من هذه الهدايا كتاب ديسقوريدس الطبيب «مصور الحشائش العجيب»، وكتاب هروشيش «هيرودوتس»؛ المؤرخ الرومي العظيم. وكان الكتاب الأول مكتوبا بالإغريقي، وهو اليوناني القديم، والكتاب الثاني كان مكتوبا باللسان الليطني. وكتب قسطنطين فيما كتب إذ ذاك إلى الناصر: «إن كتاب ديسقوريدس لا تجتنى فائدته إلا برجل يحسن العبارة باللسان اليوناني، ويعرف أشخاص تلك الأدوية، فإن كان في بلدك من يحسن ذلك؛ فزت أيها الملك بفائدة الكتاب، وأما كتاب هروشيش، فعندك في بلدك من اللطينيين من يقرؤه باللسان اللطيني، وإن كشفتهم عنه نقلوه إليك من اللطيني إلى اللسان العربي.» ولم يكن يومئذ بقرطبة من نصارى الأندلس من يعرف الإغريقي، فبقي كتاب ديسقوريدس في خزانة الناصر كما هو لم يترجم إلى العربي، فلما ولي أمر الروم أرمانيوس بن قسطنطين، تقدم إليه الناصر
104
بأن يبعث رجلا يعرف الإغريقي واللطيني ليعلم له عبيدا يكونون مترجمين،
105
فأرسل أرمانيوس في هذا المركب راهبا عظيما يسمى نقولا، وقد أزلفت لك أن أبا عبد الله الصقلي يحسن الإغريقي إحسانه للطب والفلسفة والنجوم، وقد كان أخبرني أن الناصر أرسل إليه يستحثه على الوفود إليه ليكون في خدمته،
106
فكان ذلك سببا في انعقاد الصحبة بيننا وبين هذا الراهب، وقد أصبنا منه رجلا حديثا ظريف المحاضرة، له مشاركة في كثير من العلوم والآداب.
وقد ألفينا في هذا المركب طبيبين أندلسيين كانا قد رحلا إلى المشرق منذ سنين، وأقاما هنالك نيفا وعشرين سنة، ودخلا دار السلام «بغداد»، وقرآ فيها على ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة كتب جالينوس، ثم قفلا راجعين إلى الأندلس مسقط رأسهما، ونزلا في هذا المركب من أحد الثغور، وهما أخوان؛ يسمى أحدهما عمر والثاني أحمد،
صفحة غير معروفة