ممن خلع ربقة الاسلام، واستبدل بها عبادة الأوثان والأصنام، وحيث من الله تعالى بمزيد كرمه بالسلامة من تلك الأخطار، والنجاة من أيدي أولئك الأشرار، ركبت الفرار إلى بعض النواحي، وأغمضت عن عذل العذال واللواحي، واتخذت العزلة عن أشباه الناس وطنا، والوحدة من الدنفاس سكنا، وفي ذلك سلامة الدنيا والدين، والفوز بسعادة الحق واليقين، وضربت صفحا عن الطموح إلى زهرة هذه الدار، وطويت كشحا دون النظر إلى ما أسدته الأقدار، من البأس حلل اليسار أو أطمار الاعسار. وثوقا بضامن الأرزاق والمعطي على قدر الاستحقاق، وعند ذلك هجس بفكري ما كنت أتمناه من ذلك الكتاب، وأن هذه الخلوة أعز من أن تصرف في غير هذا الباب، ورأيت انتهاز الفرصة فإنها تمر مر السحاب، ولم يثن عزمي قلة الطلاب، ولا إشراف شموس الفضل على الغياب، بل صار ذلك أقوى سبب لي على القدوم، لما استفاض عن سدنة الحي القيوم من الحث الأكيد ومزيد التأكيد في إحياء هذا الدين ونشر شريعة سيد المرسلين، وعسى الله سبحانه أن ينفع به بعض الإخوان المؤمنين، والخلان الطالبين للحق واليقين، وقد سميته ب (كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة) وإليه سبحانه أرغب في التوفيق سيما للاتمام والعصمة من زلل أقدام الأقلام في ميادين الأحكام، إنه تعالى أكرم من رغب إليه وأكفى من توكل عليه.
وقد رأيت أن أبدأ أولا بتمهيد جملة من المقدمات التي يتوقف عليها الاستدلال، ويرجع إليها في تحقيق الأحوال، ليكون كتابنا هذا كافلا بتحقيق ما يحتاج إليه من أصول وفروع، مغنيا عن الافتقار إلى غيره والرجوع.
المقدمة الأولى غير خفي - على ذوي العقول من أهل الايمان وطالبي الحق من ذوي
صفحة ٤