حدائق الأزاهر في مستحسن الأجوبة والمضحكات والحكم والأمثال والحكايات والنوادر

ابن عاصم الغرناطي ت. 829 هجري
61

حدائق الأزاهر في مستحسن الأجوبة والمضحكات والحكم والأمثال والحكايات والنوادر

وكان يجلس إليه خصي لزرياب، قد حج وتنسك، ولزم الجامع، يتحدث في مجلسه، بأخبار زرياب، ويقول: كان أبو الحسن ﵀ يقول كذا وكذا، فقال له الأعرج: من أبو الحسن هذا؟ قال: زرياب، قال: بلغني أنه كان أخرق الناس. وسأله مرة أخرى، ما تقول في الكبش الأعرج، أيجوز للذبيحة؟ قال: نعم، والخصي مثل ذلك. الباب الثاني في أخبار الأعراب والمتنبئين ونوادر المجان والمستخفين قدم إلى أعرابي كامخ، فأكل منه، فلم يستطبه، وخرج إلى المسجد، والإمام في الصلاة يقرأ: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير)، فقال الأعرابي: والكامخ، لا تنسه، أصلحك الله. وكان موسى بن عبد الملك قد اغتال نجاح بن سلمة في شراب شربه عنده، فقال المتوكل لأبي العيناء بعد ذلك: ما تقول في نجاح بن سلمة؟ فقال: ما قال الله ﷿ (فوكزه موسى فقضى عليه) فاتصل ذلك بموسى، فعتب عليه وقال له: أردت قتلي، فاعتذر له، وافترقا عن صلح، فلقيه بعد ذلك موسى، فقال له: يا أبا عبد الله قد اصطلحنا، فما بالك لا تأتينا؟ فقال: (أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس) فقال موسى: ما أرانا إلا كما كنا. وقال المتوكل لأبي العيناء: إبراهيم بن نوح النصراني وجد عليك، فقال: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) . وقال له المتوكل يومًا: إن سعيد بن عبد الملك يضحك منك، فقال: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين أمنوا يضحكون) . وقال له رجل: يا مخنث، فقال: (وضرب لنا مثلا ونسى خلقه) . ولقي خالد بن صفوان الفرزدق، وكان الفرزدق قبيحًا، فقال له خالد: يا أبا فراس، ما أنت بالذي (فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن) فقال له: ولا أنت بالذي قالت الفتاة لأبيها: (يا أبت استئجره إن خير من استئجرت القوى الأمين) . وبعث المنصر سليمان بن راشد، إلى الموصل، وضم إليه ألف فارس من العجم، وقال له: قد ضممت لك ألف شيطان تذل بهم أهل الأرض، فلما أتى الموصل عاشوا في نواحيها، وقطعوا الطريق، وانتهبوا الأموال، وانتهى خبرهم إلى المنصور، فكتب إليه: كفرت النعمة يا سليمان، فكتب إليه في الجواب (وما كفر سليمن ولكن الشيطين كفروا) فضحك المنصور، وعرف عذره، وأنذر له بجيش غيرهم. وأتي بأعرابي إلى سلطان، وبيده كتاب فيه مكتوب: (هاؤم اقرءوا كتابيه) فقيل له: إنما قال هذا يوم القيامة، فقال: هذا، والله، أشد، فإن يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي، وأنتم جئتم بسيئاتي فقط، وتركتم حسناتي. ورأى أبو الضمضم القاضي رجلًا قريبًا من مجلسه يسمع نوادره، فرماه بالدواة، وأمر بسجنه، فقال له الكتاب: كيف أكتب قصته في الديوان؟ قال له: اكتب (استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) . وأتى أعرابي المسجد، والنبي ﷺ جالس، فقام يصلي، فما فرغ قال: اللهم ارحمني وارحم محمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا، فقال النبي ﷺ: ولم حجرت واسعًا يا أعرابي؟ وقال الأصمعي: رأيت أعرابيًا يقول في الطواف: اللهم اغفر لأمي، فقلت له: مالك لا تذكر أباك؟ فقال: أبي رجل يحتال لنفسه. وسمع أعرابي رجلًا يقرأ: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعملًا) فقال: أنا أعرفهم، فقيل: ومن هم؟ قال: الذين يبردون ويأكل غيرهم. وكان ابن أبي علقمة غزير اللحية كثيرها، وكان ابن والان قليل اللحية، فاجتمعا يومًا، فقال ابن أبي علقمة لابن والان يعرض بقلة لحيته: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا)، فقال ابن والان: (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث) . وجلس أعرابي مع معاوية على المائدة، فقدم ثريد كثير الدسم، ففجره الأعرابي بإصبعه إلى جهته، حتى سال الدهن إليه، فقال معاوية: (أخرقتها لتغرق أهلها) فقال الأعرابي: لا، ولكن (سقنه لبلد ميت) . وقرئ بين يدي أعرابي: (كأنهن الياقوت والمرجان) فقال: هؤلاء خلاف نسائكم العجاف. وكان رجل شهر بالشراب والمعاصي، فوعظه أحد الناس، وقال له: ما تكون حجتك يوم القيامة؟ قال: خضراء مزججة. وخطب وكيع بن أبي سويد بخراسان، فقال: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أشهر، فقيل له: في ستة أيام، فقال: أردت أن أقولها، فاستقللتها. وقرأ: ألم غلبت الترك، فقيل له: الروم، فقال: كلهم أعداء، كفانا الله مئونتهم.

1 / 61