وراح صديق يكمل إعداد ملابسه في حزم وإصرار وقد أصبح وجهه كله عزما وإقداما. •••
وفي حجرة خاصة نزل صديق بالسجن، وصدرت الأوامر أنه يستطيع أن يلتقي بمن يشاء من المساجين دون حرج عليه؛ حتى لا يشعر بالوحدة.
وكان إدخال شخص إلى دار سينما. فالسينما على الأقل ستكلفه ثمن التذكرة، أما السجن فلا يكلفه إلا ادعاء بأنه خطر على الأمن، فقال شفاها ثم يصبح السجن هو المصير.
15
كثر الحديث حول زهيرة، وعرف الكثيرات أن الفتى الذي تولت تربيته منذ الطفولة خرج من البيت إلى حيث لا يدري أحد على الإطلاق. وتملكها الغيظ؛ فالتهمة قاتلة، ولا أحد يعرف دافعها عليه، فإن سرها مع زوجها ظل حبيس صدرها وفراشها لا يعلمه أحد إلا الله.
ومع الأيام كانت زهيرة تشعر بسعة التهمة، واتساع اللغط بها بين صويحباتها جميعا، ولم تكن واحدة منهن لتجرؤ على مواجهتها بها. وهكذا واجهت موقفا عجبا: تهمة ولا تهمة، وحديث ولا إعلان، ومناجاة بين النساء؛ لا يرتفع إلى المواجهة ولا ينقطع، ولم تكن زهيرة فتاة صغيرة، بل كانت في السن التي ينبغي فيه للنساء أن يكن بعيدات عن الشبهة كريمات السمعة.
ولو أن هذا الذي يطالعها اليوم كان أمرا طبيعيا في حياتها ربما احتملته وضربت بالسمعة والشرف عرض الأفق، ولكنها عاشت عمرها كله نقية السيرة لا يتناولها لسان إلا بالطهر والعفاف، حتى وإن كان لسانا عدوا حادا جارحا، ربما اتهمها بعضهن بالكبر أو ربما ذكرها لسان بالحدة والعنف، ولكن لسانا ما لم يتعرض لعرضها قط.
وهكذا واجهت زهيرة فترة مريرة من حياتها، وزادها مرارة أنها لا تدري كيف تخرس هذه الألسنة.
إلا أن فكرة عجيبة طرأت لها لا تدري مأتاها، وراحت تنفذها في إصرار، وعاونها على ذلك أن زوجها كان في شبه قطيعة معها، لا يسألها عن خروج من البيت أو دخول؛ فقد كان صديق في يده مطمئنا إلى أنه بعيد عنها كل البعد. وهو يدري أنها لم تحاول أن تخطئ إلا مع صديق؛ فهو منذ تزوج فرض عليها العيون الرواصد وأطلق خلفها أدواته الجهنمية التي لا يخفى سر عليها وأصبح واثقا منها كل الثقة، أما صديق فجماله يفتن أعظم الناس عفة وأكثرهن نقاء وطهارة، ثم إنه معها في البيت، وإذا قبل فالسر دفين، ولن يتصور أحد أن علاقة تقوم بين فتى في مكان الابن وبين امرأة هي منه في مكان الأم.
إن تكن حاولت معه فهي بالقطع واليقين لن تحاول مع غيره، فلتخرج ما طاب لها الخروج فهي في موقف صعب شديد، وهي وإن تكن تكسر عين زوجها بعجزه إلا أنها تشعر أن ما فعلته غير جدير بها ولا يبرره حال زوجها، كما لا يبرره ثقتها أن زوجها لن يستطيع أن يطلقها؛ فهي تدري أنه يحرص على أن يظل أمره خفيا عن الناس غاية الخفاء. وقد عمل على ذلك بكل السلطات التي في يده؛ شرعية هذه السلطات مستمدة من قوامة الزواج، أو غير شرعية مستمدة من السلطان الظالم والبغي والجبروت.
صفحة غير معروفة