غربة الإسلام
محقق
عبد الكريم بن حمود التويجري
الناشر
دار الصميعي للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
مكان النشر
الرياض - المملكة العربية السعودية
تصانيف
غُرْبَةُ الْإِسْلَام
تَألِيف
الشَّيْخ حمود بن عَبد اللهِ التُّوَيجري ﵀
١٣٣٤ هـ - ١٤١٣ هـ
طُبع بإشراف
أَبنَاء الشَّيْخ ﵀
حقق نَصه وعلق عَلَيْهِ
عبَّد الكَريم بن حمود التُّوَيجري
دَار الصميعي للنشر والتوزيع
صفحة غير معروفة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقدمة
﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأحقاف: ١٥].
الحمد لله الذي عمَّ البرية بجُوده، وأسبغ عليهم نعمه وفضله، ووالى عليهم إحسانه، وَصَلَ عمل من شاء منهم بعد مماته، وأجرى له الأجر بعد فراق دنياه، وأخبرنا على لسان رسوله ﷺ أنه «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة؛ إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (١).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اختار أهل العلم واصطفاهم، وعلى علم ارتضاهم، رفع شأنهم، وبتحقيق الخشية اختصهم، فقال ﷾: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: ٢٨].
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، إمام المتقين وقدوة السالكين، ورَّث العلم للعالمين، فكانوا ورثة النبيين ومصابيح السالكين، كشف الله بهم الحق ودلَّ الخلق، وأوضح المحجة وأقام الحجة، أحيا
_________
(١) رواه مسلم في صحيحه؛ باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، من كتاب الوصية، حديث (٤٣١٠)، والبخاري في الأدب المفرد؛ باب بر الوالدين بعد موتهما، حديث رقم (٣٨) من حديث أبي هريرة ﵁.
المقدمة / 1
بهم موتى القلوب وأنار بعلمهم الدروب.
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه؛ صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين.
أما بعد: فمن فضل الله سبحانه على والدنا الشيخ حمود بن عبد الله التويجري -أسبغ الله عليه الرحمة والرضوان- أنه ما إن شب عن الطوق إلا وحادي الرشاد ينادي بشوق: أدرِك ركب الخِيَرة، والحق بأهل النضرة، واحظ بنصيبك من الميراث النبوي.
فأجاب الداعي بنفسٍ إلى العلى توَّاقة، وهمة سامية وقَّادة، نهل من معين علماء عصره وعلّ، ولازم فقهاء مصره فما كلّ ولا ملّ، حفظ وقته من الضياع، وعمره بالقراءة والاطلاع، فما زال الكتاب جليسه والقلم أنيسه، قرأ في شتى الفنون، وخط يراعه عددا من المتون، جمع الشرائد ورتَّب الفوائد ونظم القلائد، ولما بلغ أشده واستوى سوق علمه، سمت همته للبذل والعطاء مما نهل منه وارتوى؛ استجابة لنداء ربه ﷾: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٤]، ولِمَا وعى من توجيه حبه ﷺ لأمته بقوله: «الدين النصيحة» متفق عليه (١).
اتجه ﵀ لبذل العلم ونَشْره، وتبصير الناس بأمور دينهم، وما به
_________
(١) رواه البخاري في صحيحه؛ باب قول النبي ﷺ: «الدين النصيحة» من كتاب الإيمان حديث رقم (٥٧)، ومسلم باب بيان أن الدين النصيحة من أبواب الإيمان، حديث رقم (٢٠٥) من حديث تميم الداري ﵁.
المقدمة / 2
نفعهم وصلاحهم في معاشهم ومعادهم، فجلس للطلاب وتولى الخطابة وقام بالحسبة، وسطر النصائح والمواعظ للعامة والخاصة، ثم اتجهت همته إلى التأليف والتصنيف؛ إيضاحا للحق وبيانا للسنة وردا للباطل ودفاعا عن الملة، وقد أمضى في ذلك جُلّ وقته وعامة عمره، فكان حصيلة ذلك نتاجا علميا ربى على الستين مؤلفا؛ طبع عامتها في حياته، ونسأل الله أن ييسر ظهور الجميع في تمام.
ومما خطَّه يراعه وسطره قلمه ﵀ هذا الكتاب الذي بين أيدينا، وهو كتاب عظيم النفع جليل القدر، لم يتسن له ﵀ إكماله، ولعل انشغاله بغيره مما رأى أهمية تقديمه صرف النظر عن إكماله في وقته.
وحيث لم يكمله ﵀ لم يُسمِّه، فسميناه بأول وصفٍ وصَفَ به الكتاب في مقدمته (١).
والكتاب مسوَّدةٌ كثير الحواشي، واللَّحق، والإحالات، والتقديم والتأخير.
والموجود منه يقع في ثلاثمائة وثلاثين صفحة من الورق المسطر؛ قياس الصفحة ٢٩سم طولا، و٢١سم عرضا (٢).
والكتاب من أوائل مؤلفاته ﵀ إن لم يكن هو أولها، ولعل تصنيفه كان بين عام ١٣٧٥ - ١٣٨٠هـ وذلك لأمور:
_________
(١) قال في مقدمة الكتاب: أما بعد: فهذا كتاب في بيان غربة الإسلام الحقيقي وأهله في هذه الأزمان. فسميناه (غربة الإسلام).
(٢) يسمى عند العامة بالورق الحجازي أو الفرخ؛ والفرخ كما جاء في المعجم الوسيط (٦٧٩): صحيفة تطوى لِفْقَيْن في حجم محدود. وهي مُحدثة.
المقدمة / 3
أولها: نوع الخط ولون المداد؛ فهو شبيه بما كتبه في ذلك الزمن وإن كان الخط أدق، ولعل ذلك عائد إلى تغير نوعية القلم المستعمل في الكتابة.
ثانيها: نوع الورق؛ حيث كان استعماله للورق المسطر -المسمى بالحجازي أو الفرخ- على حاله دون طي من أواخر الستينات إلى نهاية السبعينات الهجري، حسب تتبع ذلك وسبره.
ثالثها: وجود بعض الشواهد في ثنايا الكتاب على ارتباطه بتلك الفترة ومن ذلك:
١ - ما ذكره في صفحة ١٤٣ من أن التعداد السكاني للمسلمين في ذلك الوقت أو قبله بقليل كان أربعمائة مليون، نقلا عن المهتمين بذلك، وهذا العدد بالسبر وتتبع المقالات والدوريات المهتمة بهذا الشأن يوافق تلك الحقبة.
٢ - ما ذكره في صفحة ٢٣٢، نقلا عن بعض الصحفيين؛ أن الزوار لمولد البدوي في سنة ألف وثلاثمائة وأربع وسبعين بلغوا خمسين ألفا تقريبا.
وقد جرت العادة أن الكاتب يذكر آخر إحصاء جرى قبل كتابته؛ ليتحقق به المقصود من إيراد الشاهد.
ولتقدم هذا الكتاب وكونه من أول مؤلفات الوالد ﵀ كان مصدرا لما كتبه بعد ذلك، فقد وجِدت نقول منه في بعض كتبه اللاحقة؛ كإتحاف الجماعة وغيره.
وقد ضرب ﵀ على مواضع عديدة من الكتاب؛ منها ما نقله إلى كتب أخرى ألّفها بعد هذا الكتاب وأشار إلى ذلك في الحاشية -وتأتي
المقدمة / 4
الإشارة إليه في موضعه- ومنها ما ضرب عليه ولم يوجد في شيء من كتبه، ولعله لم يرتضه أو عدل عن وضعه في ذلك الموضع.
وقد وجد في منثور أوراقه ﵀ ثلاث عشرة صفحة اشتملت على عناصر لهذا الموضوع، وقد ضرب على بعضها علامة على استكمال بحثها وجَمْع المادة العلمية المتعلقة بها، وأشار أمام بعضها إلى بعض النصوص الواردة حول ذلك العنصر أو بعض مراجعه.
ولعل ما أكمله من تلك العناصر قد أودعه بعض كتبه الأخرى التالية لهذا الكتاب؛ فمنها عناصر عن المعازف والغناء، ولعله أودعها كتابه "فصل الخطاب في الرد على أبي تراب"، ومنها عناصر تتعلق بالتبرج والسفور، ولعله أودعها كتابه "الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور"، ومنها عناصر عن الخمر والمسكرات، ولعله أودعها كتابه "الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات والمفترات"، ومنها ما لم يرد في شيء من ذلك.
وقد اقتصر العمل على إخراج نص الكتاب -إذ هو المقصود- دون تزيُّد بإثقاله بالحواشي والتعليقات، إلا ما دعت إليه الحاجة في موضعه.
وأخيرا تمت إضافة فهرس للموضوعات لتسهيل الوصول إلى الغاية وتقريب محتويات الكتاب.
والله نسأل أن يجزي الشيخ الوالد -رحمه الله تعالى- خير الجزاء، وينفع بالكتاب كاتبه وقارئه وسامعه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
المقدمة / 5
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله القوي المتين، المتفرد بالتدبير والتكوين، الغني عن العالمين أجمعين، فلا تنفعه طاعات المطيعين، ولا تضره معاصي العاصين، خلق الجن والإنس ليعبدوه ويطيعوا أمره ولا يعصوه، وحذّر العاصين من وبيل عقابه كما حل بكثير من الماضين، فقال -تعالى- وهو أصدق القائلين: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَانَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ﴾ [الأنعام: ٦]، وقال -تعالى- مخبرا عن قوم آخرين: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف: ١٦٥ - ١٦٦].
أحمده سبحانه أن أتم علينا نعمته، وأكمل لنا الدين، ورضي لنا الإسلام دينا واصطفاه لنا على كل دين ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ٨٥].
وأشكره أن هدانا إلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين، وأسأله تعالى متوسلا إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح حالي وأحوال المسلمين، ويجعلنا بمنِّه وكرمه من عباده المتقين، الذين كرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان فكانوا من الرائدين، ونعوذ بالله من فتن المضلين، ومن خطوات الشياطين وإخوان الشياطين.
1 / 3
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله الصادق الأمين، بعثه الله رحمة للعالمين وحُجة على المعاندين، وأيَّده بالآيات والمعجزات والبراهين، فعلّم به من الجهالة، وهدى به من الضلالة، وبصّر به من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، وجعله حرزا للأميين، ولم يزل منذ بعثه الله برسالته قائما بأمر ربه على أكمل الوجوه وأفضلها؛ يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ويبين للناس ما نزل إليهم من ربهم غاية التبيين، حتى ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا من كان من الهالكين، وما من شيء يقربهم من الجنة إلا وقد أمرهم به، وما من شيء يقربهم من النار إلا وقد حذرهم منه؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيّ عن بينة، والله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين، فجزى الله عنا نبينا أفضل ما جزى أحدا من الأولين والآخرين، فلقد بلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح أمته غاية النصح، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله حتى أتاه اليقين، صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه دائما إلى يوم الدين، وعلى سائر إخوانه من المرسلين والنبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
أما بعد: فهذا كتاب في بيان غربة الإسلام الحقيقي وأهله في هذه الأزمان، وذكر الأسباب العاملة في هدم الإسلام وطمس أعلامه وإطفاء نوره، دعاني إلى جمعه ما رأيته من كثرة النقص والتغيير في أمور الدين،
1 / 4
وما عمَّ البلاء به من المنكرات التي فشت في المسلمين، وابتُلى ببعضها كثير من المنتسبين إلى العلم والدين فضلا عن غيرهم من جهال المسلمين.
ولما كان العمل بالمعاصي من أعظم الإفساد في الأرض؛ لما يترتب على ذلك من نزع البركات، ووقوع الفتن والهلكات، كما قال كثير من المفسرين في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: ٥٦]: إن إفسادها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله، وكان أيضا شؤم المعاصي لا يختص بالمسيئين، بل يعُمّ من باشر الذنب ومن لم يباشره، إذا ظهر ذلك ولم يُغيَّر، كان من أهم الأمور عندي بيان ما وقع فيه الأكثرون من المخالفات والتحذير من شؤمها وسوء عاقبتها، وحث المؤمنين عامة وولاة الأمور وأهل العلم خاصة على تغيير ما ظهر منها قبل أن يصيبهم الله بعذاب يعم الصالح والطالح، فقد قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: ٢٥]، قال ابن عباس ﵄: أمر الله ﷿ المؤمنين أن لا يُقرّوا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بعذاب يصيب الظالم وغير الظالم.
وفي المسند وصحيح مسلم والسنن الأربع عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»،
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن،
1 / 5
ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبه خردل» ورواه الإمام أحمد في مسنده مختصرا.
وأرجوا من كرم الله تعالى وجوده إتمام ما قصدتُ من البيان والتحذير، وأن يجعل في ذلك براءة للذمة من واجب الجهاد والتغيير، وأسأله تعالى أن يمنَّ عليّ وعلى جميع المسلمين بالإنابة إليه والتوكل في كل الأمور عليه، فإنه لنعم المولى ونعم النصير.
1 / 6
فصل
وقد ورد في غربة الإسلام أحاديث كثيرة نذكر منها ما تيسر إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان.
الحديث الأول: عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء» رواه مسلم وابن ماجة.
الحديث الثاني: عن ابن عمر ﵄ عن النبي ﷺ قال: «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها» رواه مسلم، ورواه الحافظ محمد بن وضاح في كتاب "البدع والحوادث" ولفظه: «بدأ الإسلام غريبا ولا تقوم الساعة حتى يكون غريبا، فطوبى للغرباء حين يفسد الناس، ثم طوبى للغرباء حين يفسد الناس».
الحديث الثالث: عن أنس بن مالك عن رسول الله ﷺ قال: «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء» رواه ابن ماجة.
الحديث الرابع: عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء» قال: قيل: ومن الغرباء؟ قال: «النّزّاع من القبائل» رواه الإمام أحمد وابنه عبد الله، والترمذي وابن ماجة والدارمي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن مسعود، قال: وفي الباب عن سعد وابن
1 / 7
عمر وجابر وأنس وعبد الله بن عمرو ﵃.
الحديث الخامس: عن سعد بن أبي وقاص ﵁: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن الإيمان بدأ غريبا وسيعود كما بدأ، فطوبى يومئذ للغرباء إذا فسد الناس، والذي نفس أبي القاسم بيده ليأرزن الإيمان بين هذين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها» رواه الإمام أحمد.
الحديث السادس: عن سلمان الفارسي ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء» رواه الطبراني.
وله أيضا عن جابر وابن عباس ﵃ مرفوعا مثل ذلك (١)، وزاد في حديث جابر: قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «الذين يصلحون عند فساد الناس».
الحديث التاسع: عن سهل بن سعد الساعدي ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء» قيل: مَن الغرباء يا رسول الله؟ قال: «الذين يصلحون إذا فسد الناس» رواه الطبراني.
الحديث العاشر: عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها، وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأرويّة من رأس
_________
(١) وحديث جابر وابن عباس ﵄ عند الطبراني هما الحديث السابع والثامن بتعداد الشيخ الوالد ﵀ وإن لم يصرح بذلك؛ فقد وضع فوق كل منهما خطا بلون أحمر علامة التعداد كما هو منهجه ﵀، ورقمه للحديث التاسع بعده يؤكد ذلك.
1 / 8
الجبل، إن الدين بدأ غريبا ويرجع غريبا، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي» رواه الترمذي وقال: حديث حسن، ورواه أبو نعيم في الحلية مختصرا، ورواه إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بإسناده عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: «إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء» قيل: يا رسول الله، مَن الغرباء؟ قال: «الذين يُحيون سنتي من بعدي ويُعلِّمونها عباد الله».
الحديث الحادي عشر: عن بكر بن عمرو المعافري قال: قال رسول الله ﷺ: «طوبى للغرباء الذين يتمسكون بالكتاب حين يُترك ويعملون بالسنة حين تُطفأ» رواه الحافظ محمد بن وضاح.
الحديث الثاني عشر: عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ ذات يوم ونحن عنده: «طوبى للغرباء» فقيل: مَن الغُرباء يا رسول الله؟ قال: «ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» رواه الإمام أحمد والطبراني.
ورواه الحافظ محمد بن وضاح بلفظ: «من يبغضهم أكثر ممن يحبهم»، وعنده في أوله: «طوبى للغرباء» ثلاث مرات.
وكذلك في روايته للإمام أحمد: «طوبى للغرباء» ثلاث مرات.
الحديث الثالث عشر: عنه ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «أحب شيء إلى الله الغرباء» قيل: ومَن الغُرباء؟ قال: «الفرَّارون بدينهم،
1 / 9
يبعثهم الله يوم القيامة مع عيسى ابن مريم ﵊» رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد الزهد وأبو نعيم في الحلية من طريقه، قال عبد الله: سمعت سفيان بن وكيع يقول: إني لأرجو أن يكون ابن حنبل منهم.
قال القاضي عياض: روى ابن أبي أويس، عن مالك -رحمه الله تعالى- معنى «بدأ غريبا» أي: بدأ الإسلام غريبا في المدينة، وسيعود إليها. انتهى.
قلت: ويستدل لهذا القول بما في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها»، قال الجوهري: أي ينضم إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها. انتهى.
وروى أبو داود في سننه، والطبراني في الصغير، والحاكم في مستدركه عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح»، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي في تلخيصه، زاد أبو داود: قال الزهري: وسلاح قريب من خيبر.
وروى الطبراني في الصغير أيضا من طريق الزهري عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يوشك أن يكون أقصى مسالك المسلمين بسلاح»، وسلاح من خيبر.
وقد رواه الحاكم في مستدركه من حديث الزهري عن سالم أنه سمع
1 / 10
أبا هريرة ﵁ يقول: «يوشك أن يكون أقصى مسالح المسلمين سلاح»، وسلاح قريب من خيبر.
قال القاضي عياض -رحمه الله تعالى-: وظاهر الحديث العموم، وأن الإسلام بدأ في آحاد الناس وقلة، ثم انتشر وظهر، ثم سيلحقه النقص والإخلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضا كما بدأ. انتهى.
قلت: وقد سبقه إلى تقرير هذا المعنى الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله تعالى في كتابه "إنكار الحوادث والبدع" لما ذكر قوله ﷺ: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ» قال: ومعنى هذا أن الله لما جاء بالإسلام فكان الرجل إذا أسلم في قبيلته غريبا مستخفيا بإسلامه قد جفاه العشيرة فهو بينهم ذليل خائف، ثم يعود غريبا لكثرة أهل الأهواء المضلة والمذاهب المختلفة حتى يبقى أهل الحق غرباء في الناس لقلتهم وخوفهم على أنفسهم. انتهى.
وقد قرر هذا المعنى أيضا الحافظ ابن رجب وأطال الكلام عليه، وكذلك شيخه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى وغير واحد من المحققين؛ قال ابن رجب رحمه الله تعالى: قوله: «بدأ الإسلام غريبا» يريد به أن الناس كانوا قبل مبعثه على ضلالة عامة كما قال النبي ﷺ في حديث عياض بن حمار الذي أخرجه مسلم: «إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب»، فلما بُعث النبي ﷺ ودعا إلى الإسلام لم يستجب له في أول الأمر إلا الواحد بعد الواحد من كل قبيلة، وكان المستجيب له خائفا من عشيرته وقبيلته، يؤذى غاية الأذى ويُنال منه،
1 / 11
وهو صابر على ذلك في الله ﷿، وكان المسلمون إذ ذاك مستضعفين يُشرّدون كل مُشرّد ويهربون بدينهم إلى البلاد النائية؛ كما هاجروا إلى الحبشة مرتين، ثم هاجروا إلى المدينة، وكان منهم من يُعذّب في الله ومنهم من يُقتل، فكان الداخلون في الإسلام حينئذ غرباء، ثم ظهر الإسلام بعد الهجرة إلى المدينة وعزّ، وصار أهله ظاهرين كل الظهور، ودخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجا، وأكمل الله لهم الدين، وأتم عليهم النعمة، وتوفي رسول الله ﷺ والأمر على ذلك، وأهل الإسلام على غاية من الاستقامة في دينهم، وهم متعاضدون متناصرون، وكانوا على ذلك في زمن أبي بكر وعمر ﵄ ثم عمل الشيطان مكائده على المسلمين، وألقى بأسهم بينهم وأفشا فيهم فتنة الشبهات والشهوات، ولم تزل هاتان الفتنتان تتزايدان شيئا فشيئا حتى استحكمت مكيدة الشيطان وأطاعه أكثر الخلق؛ فمنهم من دخل في طاعته في فتنة الشبهات، ومنهم من دخل في فتنة الشهوات، ومنهم من جمع بينهما، وكل ذلك مما أخبر النبي ﷺ بوقوعه.
فأما فتنة الشبهات فقد روي عن النبي ﷺ من غير وجه أن أمته ستفترق على أزيد من سبعين فرقة، على اختلاف الروايات في عدد الزيادة على السبعين، وأن جميع تلك الفرق في النار إلا فرقة واحدة، وهي ما كانت على ما هو عليه وأصحابه ﷺ.
وأما فتنة الشهوات ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو ﵄ عن النبي ﷺ قال: «كيف أنتم إذا فتحت عليكم خزائن فارس
1 / 12
والروم، أي قوم أنتم؟» قال عبد الرحمن بن عوف: نكون كما أمرنا الله، قال: «أو غير ذلك؛ تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون».
وفي صحيح البخاري عن عمرو بن عوف عن النبي ﷺ قال: «والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسونها، فتهلككم كما أهلكتهم».
وفي الصحيحين من حديث عقبة بن عامر ﵁ عن النبي ﷺ معناه أيضا.
ولما فُتحت كنوز كسرى على عمر بن الخطاب ﵁ بكى، فقال: إن هذا لم يُفتح على قوم قط إلا جعل الله بأسهم بينهم. أو كما قال.
وكان النبي ﷺ يخشى على أمته هاتين الفتنتين كما في مسند الإمام أحمد عن أبي برزة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومُضلّات الفتن»، وفي رواية: «ومضلّات الهوى» فلما دخل أكثر الناس في هاتين الفتنتين أو إحداهما أصبحوا متقاطعين متباغضين بعد أن كانوا إخوانا متحابين متواصلين، فإن فتنة الشهوات عمّت غالب الخلق ففُتنوا بالدنيا وزهرتها وصارت غاية قصدهم، لها يطلبون، وبها يرضون ولها يغضبون، ولها يوالون وعليها يعادون، فقطعوا لذلك أرحامهم، وسفكوا دماءهم، وارتكبوا معاصي الله بسبب ذلك.
وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلة فبسببها تفرق أهل القبلة وصاروا شيعا، وكفّر بعضهم بعضا، وأصبحوا أعداء وفرقا وأحزابا بعد أن كانوا إخوانا، قلوبهم على قلب رجل واحد، فلم ينج من هذه الفرق كلها إلا
1 / 13
الفرقة الواحدة الناجية، وهم المذكورون في قوله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك»، وهم في آخر الزمان الغرباء المذكورون في الأحاديث؛ الذين يصلحون إذا فسد الناس، وهم الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة، وهم الذين يفرُّون بدينهم من الفتن، وهم النّزّاع من القبائل؛ لأنهم قلُّوا فلا يوجد في كل قبيلة منهم إلا الواحد والاثنان، وقد لا يوجد في بعض القبائل منهم أحد كما كان الداخلون في الإسلام في أول الأمر كذلك، وبهذا فسر الأئمة هذا الحديث، قال الأوزاعي في قوله ﷺ: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ»: أما إنه ما يذهب الإسلام، ولكن يذهب أهل السنة حتى ما يبقى في البلد منهم إلا رجل واحد.
ولهذا المعنى يوجد في كلام السلف كثيرا مدح السنة، ووصفها بالغربة ووصف أهلها بالقلة، فكان الحسن رحمه الله تعالى يقول لأصحابه: يا أهل السنة، ترفقوا رحمكم الله، فإنكم من أقل الناس.
وقال يونس بن عبيد: ليس شيء أغرب من السنة، وأغرب منها من يعرفها.
ورُوي عنه أنه قال: أصبح من إذا عرّف بالسنة فعرفها غريبا، وأغرب منه من يعرفها.
وعن سفيان الثوري قال: استوصوا بأهل السنة خيرا، فإنهم غرباء.
ومراد هؤلاء الأئمة بالسنة: طريقة النبي ﷺ التي كان عليها هو وأصحابه، السالمة من الشبهات والشهوات، ولهذا كان الفضيل بن عياض
1 / 14
يقول: أهل السنة من عرف ما يدخل في بطنه من حلال، وذلك لأن أكل الحلال من أعظم خصال السنة التي كان عليها النبي ﷺ وأصحابه ﵃، ثم صار في عُرف كثير من العلماء المتأخرين من أهل الحديث وغيرهم، السنة عبارة عن ما سلم من الشبهات في الاعتقادات، خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذلك في مسائل القدر وفضائل الصحابة، وصنفوا في هذا العلم تصانيف وسموها كتب السنة. وإنما خصُّوا هذا العلم باسم السنة لأن خطره عظيم، والمخالف فيه على شفا هلكة.
وأما السُنة الكاملة فهي الطريقة السالمة من الشبهات والشهوات كما قال الحسن ويونس بن عبيد وسفيان والفضيل وغيرهم، ولهذا وصف أهلها بالغربة في آخر الزمان لقلتهم وغربتهم فيه، ولهذا ورد في بعض الروايات في تفسير الغرباء: «قوم صالحون قليل في قوم سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم»، وفي هذا إشارة إلى قلة عددهم وقلة المستجيبين لهم والقابلين منهم وكثرة المخالفين لهم والعاصين لهم، ولهذا جاء في أحاديث متعددة مدح المتمسك بدينه في آخر الزمان وأنه كالقابض على الجمر، وأن للعامل منهم أجر خمسين ممن قبلهم؛ لأنهم لا يجدون أعوانا في الخير، وهؤلاء الغرباء قسمان:
أحدهما: من يصلح نفسه عند فساد الناس.
والثاني: من يصلح ما أفسد الناس من السنة، وهو أعلى القسمين وهو أفضلهما.
1 / 15
وفي مسند الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت ﵁ أنه قال لرجل من أصحابه: يوشك إن طالت بك الحياة أن ترى الرجل قد قرأ القرآن على لسان محمد ﷺ فأعاده وأبداه، وأحلّ حلاله وحرّم حرامه، ونزل عند منازله، لا يجوز فيكم إلا كما يجوز الحمار الميت، ومثله قول ابن مسعود ﵁: يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه أذل من الأَمَة، وإنما ذُلّ المؤمن آخر الزمان لغربته بين أهل الفساد من أهل الشبهات والشهوات، فكلهم يكرهه ويؤذيه لمخالفة طريقته لطريقتهم ومقصوده لمقصودهم، ومباينته لما هم عليه. انتهى المقصود من كلام ابن رجب رحمه الله تعالى.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في الكلام على قوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ﴾ الآية [هود: ١١٦]: الغرباء في هذا العالم هم أهل هذه الصفة المذكورة في هذه الآية وهم الذين أشار إليهم النبي ﷺ في قوله: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء» قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: «الذين يصلحون إذا فسد الناس»، وفي حديث عبد الله بن عمرو ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ ذات يوم ونحن عنده: «طوبى للغرباء» قيل: مَن الغرباء يا رسول الله؟ قال: «ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم»، فأهل الإسلام بين أكثر الناس غرباء، وأهل الإيمان بين أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين تميزوا بها عن أهل الأهواء والبدع فيهم غرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين لهم أشد غربة، ولكن هؤلاء هم أهل
1 / 16