غزوة مؤتة والسرايا والبعوث النبوية الشمالية
الناشر
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٤هـ/٢٠٠٤م
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
للعلاقات بين الطرفين، وكسبًا لودّ هذه القبيلة الموالية للعدوّ البيزنطي، فتقدّم عبد الرحمن إلى دومة الجندل، ومكث هناك ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي أميرهم النصراني، وأسلم معه ناسٌ كثير من قومه، بينما وافق الآخرون على الاستمرار في دفع الجزية مع البقاء على دينهم، ونفّذ عبد الرحمن أمر الرسول ﷺ وتزوّج تماضر ابنة الأصبغ، وقدم بها إلى المدينة.
وقد كان من نتائج هذين الانتصارين أن أدركت القبائل الضاربة هناك أن حجم القوّة الإسلامية وقدرتها على التحرّك أكبر ممّا كانت تظن، وربّما بلغ ذلك القيادة البيزنطية نفسها، فكفّت عن تكرار المحاولة ردحًا طويلًا من الزمن أتاح للمسلمين تحقيق انتصارهم على الوثنية في صلح الحديبية، وتصفية المواقع اليهودية في الشمال، خيبر والقرى المحيطة بها، وقيام النبي ﷺ بمكاتبة ملوك وأمراء العالم، بما فيهم الإمبراطور البيزنطي وأتباعه الغساسنة، وحكّام مصر والحبشة.
والحقّ أن المعسكر البيزنطي هو الذي حظي بالقسط الأعظم من مكاتبة الملوك والأمراء، ربّما لأن الرسول ﷺ أدرك أن الوشائج التي تربط الإسلام بهذه الجهة، باعتبارها تنتمي إلى دينٍ سماويٍّ، تنصّ مصادره الدينية على نبوّة الرسول ﷺ ستقودهم إلى تفهّم دعوته التي انطلق بها سفراؤه إلى ملوك وحُكّام هذه المعسكر، فضلًا عن قربه الجغرافي من شبه الجزيرة، إلاّ أنّ ردود الفعل النصرانية لم تكن سواء، وتدرّجت بين الانتماء إلى الدعوة الجديدة، أو الموقف الوديّ منها، وبين الرفض الغاضب الوقح.
1 / 16