تأليف
طه عبد الباقي سرور
عصر الغزالي
كان القبس الإلهي الذي أضاء الجزيرة العربية في منتصف القرن السادس للميلاد أكبر بعث فكري عرفه التاريخ.
فقد أضيف به إلى التراث الإنساني مادة سماوية امتزجت بالقلوب والعقول والأرواح امتزاجا أنساها الدنيا هنيهة؛ فأقبلت على هذا القبس تستلهمه وتسترشده وتبصر الدنيا على هداه.
وهيمن هذا القبس هيمنة تامة على مقومات الحياة في المجتمع الجديد؛ فمن هذا القبس كان التفكير، وكانت طرائق البحث والجدل.
واندفع هذا الشعاع الإلهي يقيم حضارة روحية معطرة القلب والفكر والعمل بعطر ديني خالص على سواه من أنفاس الحياة وبواعثها.
وحمل بدو الجزيرة هذا القبس إلى العالم، يزاحمون برايته مناكب أمم أشد قوة وبأسا، وأعرق حضارة وغرسا.
ثم هدأت فورة البدو، وانتشر الشعاع مشرقا ومغربا، ودانت بالنور أمم وشعوب تهافتت على المورد العذب تنهل وتتعلم، ثم تحمل الراية.
ثم قامت الدولة العباسية في المشرق فكانت عجبا؛ كانت انقلابا كاملا للمجتمع الجديد: فهي دولة عربية اللسان، فارسية اللون، عالمية التفكير، كانت انقلابا جديدا ووجها جديدا للحضارة الإسلامية والتفكير الإسلامي، فإن كان عصر الأمويين عصر قرآن وتسليم وإيمان، فقد كانت عصرا عربيا خالصا.
صفحة غير معروفة