ثم عُزل عن وزارته، وأُحرقت داره، وانقلعت أشجاره، وقطعت يده، ثم قطع لسانه، وأغرم ألف ألف دينار، ثم سجن وحده مع الكبر والضعف والضرورة، وكان يستقي الماء بنفسه من بئر عميق يدلى الحبل بيده اليسرى ويمسكه بفيه، وقاسى جهدًا جهيدًا، حتى مات في الحبس سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ومن نظمه وهو يبكي على يده:
إذا ما مات بعضك فابك بعضًا ... فإن البعض من بعض قريب
قال: والنكبات كثيرة لا تُحصى، وفيما ذكرناه مقنع، فإن الكتاب كله أنموذج ومسودة في بابه والله تعالى أعلم. انتهى ما قصدنا نقله من كتاب "الفلاكة" للإمام الحافظ الشيخ شهاب الدين. وقد ذكر عددًا كثيرًا من الأئمة المفلوكين الذين أصيبوا بأنواع المصائب والبلايا، وهذا الكتاب فريد في بابه.
ولصاحب الأغاني أبي الفرج الأصفهاني كتاب سماه (مقاتل الطالبيين) ذكر فيه ما لاقاه أهل البيت النبويّ من المصائب والنوائب من القتل والحبس وغير ذلك من الخطوب التي جرت عليهم، ويكفيك منها الطامة الكبرى، والمصيبة التي لم تزل عين الدين المحمّدي منها عبرى، وهي ما فعلوه بريحانة الرسول، وقرة عين فاطمة البتول، وهو من أكبر سادات الأمة، وأعز أبناء بني الرحمة، فبأي وجه يلاقي من تجرأ على هذه الجريمة جد أولئك الأئمة.
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه ... والصور في نشر الخلائق ينفخ
لا بد أن ترد القيامة فاطم ... وقميصها بدم الحسين ملطّخ
فيقال للنبهاني: هل كان ما أصاب أولئك الأكابر الأماجد لفساد في الدين؟ أم لخلل في العقائد؟! كلا بل ذلك فضل من الله تعالى عليهم، وإعلاء لشأنهم، ابتلوا فصبروا، والدرجات الرفيعة لا تُنال إلا بالثبات على الأهواء، وهيهات أن تحصل راحة بلا تعب وهيهات، وفي الخبر: "حُفّتِ الجنة بالمكاره، والنار
1 / 67