(ما ذكره شيخ الإسلام في الرسالة الماردينية مما يتعلق بالمقصود)
قد ذكر ﵀ في فصل حكم الصلاة خلف أهل الأهواء كلامًا مفصّلًا يوضح هذه المسألة ويكشف حجاب تلك المعضلة، فأحببت نقله حرصًا على اقتناء فوائده وإن طال الكلام.
قال ﵀: "وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع وخلف أهل الفجور؛ ففيه نزاع مشهور وتفصيل، ليس هذا موضع بسطه، لكن أوسط الأقوال في هؤلاء: أن تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة لا يجوز مع القدرة على ذلك، فإن كان مظهرًا للفجور أو البدع وجب الإنكار عليه ونهيه عن ذلك، وأقل مراتب الإنكار هجره لينتهي عن فجوره وبدعته.
ولهذا فرّق جمهور الأئمة بين الداعية وغير الداعية، فإن الداعية أظهر المنكر فاستحق الإنكار عليه، بخلاف الساكت؛ فإنه بمنزلة من أسرّ بالذنب، فهذا لا يُنكَرُ عليه في الظاهر، فإن الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، ولكن إذا أُعلنت فلم تنكر ضرت العامة، ولهذا كان المنافقون يقبل منهم علانيتهم وتوكل سرائرهم إلى الله بخلاف من أظهر الكفر، فإذا كان داعية منع من ولايته وإمامته وشهادته وروايته لما في ذلك من النهي عن المنكر لا لأجل فساد الصلاة أو اتهامه في شهادته وروايته، فإذا أمكن الإنسان أن لا يقدم مظهرًا للمنكر في الإمامة وجب ذلك. لكن إذا ولاه غيره ولم يمكنه صرفه أو كان هو لا يتمكن من صرفه إلا بشَرٍّ أعظم ضررًا من ضرر ما أظهره من المنكر فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظم الضررين، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، ومطلوبها بترجيح خير الخيرين إذا لم [يمكن أن] يجتمعا جميعًا، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعًا. فإذا لم يمكن منع المظهر للبدعة والفجور إلا بضرر زائد على ضرر إمامته لم يجز ذلك، بل يُصلّى خلفه ما لا يمكن فعلها إلا خلفه؛ كالجمع والأعياد والجماعة إذا لم يكن هناك إمام غيره.
1 / 49