غاية المريد شرح كتاب التوحيد
الناشر
مركز النخب العلمية
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٧ م
مكان النشر
مطبعة معالم الهدى للنشر والتوزيع.
تصانيف
«لَا تُبَشرهُمْ فَيَتَّكِلُوا» هنا لطيفة مستوحاة من هذه الجملة، وهي: أنه لا ينبغي تحديث الناس بالرخص التي لا تبلغها عقولهم.
ولذا قال العلماء: يؤخذ من منع معاذ من تبشير الناس لئلا يتكِلُوا، أن أحاديث الرخص لا تشاع في عموم الناس؛ لئلا يقصر فهمهم عن المراد بها، وقد سمعها معاذ فلم يزدد إلا اجتهادًا في العمل وخشيةً لله ﷿، فأما من لم يبلغ منزلته فلا يأمن أن يقصر اتكالًا على ظاهر هذا الخبر (١).
وهل نهي النبي ﷺ لمعاذ في قوله: «لَا تُبَشرهُمْ فَيَتَّكِلُوا» للتحريم؟
الذي يظهر، والله أعلم أن هذا النهي ليس للتحريم، بل هو أمر اقتضته المصلحة؛ ولذلك علل النبي ﷺ بقوله: «فَيَتَّكِلُوا» لأن الاتكال على رحمة الله وحدها دون العمل، يسبب مفسدة عظيمة هي الأمن من مكر الله.
وكذلك القنوط من رحمة الله يبعد الإنسان من التوبة، ويسبب اليأس من رحمة الله؛ ولهذا قال الإمام أحمد ﵀: «ينبغي أن يكون -أي العبد- سائرًا إلى الله بين الخوف والرجاء؛ فأيهما غلب هلك صاحبه» (٢).
لذا ينبغي أن يسير المسلم بين الخوف والرجاء دون تغليبٍ لأحدهما على الآخر، إلا عند الموت فيُشْرَع تغليب جانب الرجاء على جانب الخوف؛ لقوله ﷺ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِالله ﷿» (٣).
•••
_________
(١) فتح الباري (١١/ ٣٤٠).
(٢) ينظر: الفتاوى الكبرى (٥/ ٣٥٩).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه (٤/ ٢٢٠٦) رقم (٢٨٧٧) من حديث جابر بن عبد الله ﵁.
1 / 46