اليصابات؛ «ملكة إنجلترا».
والذين شهدوا دوق يورك بعد زواجه بشهور قليلة، رأوا فيه رجلا جديدا زال عنه اضطرابه وخجله السابق، وأخذ يعالج ما ينتاب كلامه من لجلجة متبعا في ذلك نصائح أحد الأطباء الأخصائيين.
وكان الدوق يشعر بألم شديد لحالته؛ إذ كان يحتاج إلى وقت طويل جدا لكي ينطق كلمات قليلة حتى يجعل سامعه يرثي لحاله، فلما صحت عزيمته على التخلص من دائه أخذ يثابر على الكلام، ويتمرن عليه في كل يوم؛ حتى نجح في التخلص من عيبه إلى حد كبير، وكانت اليصابات نفسها لا تتوانى عن تشجيعه وحثه على وجوب التخلص من دائه؛ ولذلك فإنه يعترف حتى اليوم بأن فضل زوجته عليه في التخلص من عيب النطق الذي كان يعانيه لا يقل عن فضل الطبيب الأخصائي نفسه.
وإن الإنجليز، وقد عرفوا بالميل إلى الصمت وقلة الكلام، لا يجدون في لجلجة الملك الحالي واضطراب نطقه عيبا، وهم يقولون في ذلك: إنه إذا كان مليكنا يتكلم قليلا؛ فهو يتكلم حسنا، وهو فوق ذلك يعرف ثمن الكلام، وسوف يتمكن من استعماله بحيطة وحذر.
وقد حاول بعض الذين لا يعرفون في أحاديثهم غير انتقاد الغير والتقول عليهم بالباطل، أن يصغر من شأن اليصابات، فقال عنها: إنها من عامة الشعب. ولكنها في الحق أثبتت أنها تجيد الظهور في الحفلات، كما تتقن الحديث والمناقشة، وترأس المآدب الكبيرة، ولها فوق ذلك تلك الابتسامة الجذابة المتواضعة التي تجمع من حولها قلوب الجميع، وفي مقدمتهم زوجها.
كان دوق يورك، وهو لا يزال يقطن «بيكاديللي نمرة 145»، يقوم بأعباء كثيرة في الحياة العامة الإنجليزية، شأنه في ذلك شأن باقي إخوته، فكان إذا عاد في المساء إلى المنزل أسرع إلى مداعبة ببغائه يهرش له منقاره، ثم لحق بزوجته الدوقة يجلس إلى جانبها لكي يقرأ كتابا أو يستمع إلى الراديو، وهو يستشيرها من وقت لآخر في كل صغيرة وكبيرة فيما يعرض له من المسائل.
واليوم، وقد صار دوق يورك ملكا وإمبراطورا في الظروف التي يعرفها القارئ، صارت زوجته اليصابات ملكة إنجلترا وإمبراطورة الهند.
وقد لا يجد جلالته اليوم الوقت الكافي لكي يجلس إلى جانب زوجته في أوقات الفراغ كما كان يفعل من قبل، ولكن فكره سيتجه بلا ريب في كل مناسبة إلى إشراك زوجته فيما يضطلع به من أعباء، ما دام الحظ قد ساعده أكثر من شقيقه الملك السابق؛ فمكنه من أن يجعل «المرأة التي يحبها» السيدة الأولى في البلاد، ملكة 500 مليون نسمة.
صفحة غير معروفة