غير أن أنطوني فشل في حربه فأخذت قوته في الزوال، وبدأ يسرف في الشراب محاولا أن ينسى همومه، وكانت كليوباترا تمده بالمال والآلات ليستأنف الحرب، وخطر لها أن تزوره بنفسها في أحد الأيام، فوجدته في القرية البيضاء بجوار مدينة صيدا وهو يعالج جروحه، ويحاول أن يغرق أحزانه في كئوس الخمر، فعادت به إلى الإسكندرية.
كانت ترى واجبها في أن تدفع به إلى العمل.
وهنا أصبحت علاقة أنطوني وكليوباترا لا تقوم إلا على قليل من الحب؛ إذ لم تبق في نفسه إلا رغبته في الملكة. أما هي فلم يكن يدفعها إلا الامتثال لرغباته غير مطامعها في سبيل ابنها قيصرون. وكان قد بدأ يفقد نشاطه بعد أن حل به الفشل السياسي؛ فأصبح يميل إلى الكسل والتقاعد.
كانت ترى واجبها في أن تدفع به إلى العمل والنضال حتى يصل إلى مركز إمبراطور العالم، وقد استعملت كل قواها وبراعتها للوصول إلى هذا الغرض، حتى ليقول بلوتارخ، كبير المؤرخين، في ذلك: «إنها حاولت أن توهمه أنها تموت هياما به؛ فأخذت تقلل من الطعام حتى بدأ جسمها في النحول والهزال، وكان إذا دخل الغرفة عليها ترفع إليه عينيها بإعجاب وتقديس، وإذا غادرها تظهر الحزن حتى يكاد يغمى عليها، وتنهمر الدموع من عينيها فتسارع بتجفيفها كأنها ترغب ألا يراها باكية.
وكان كل من يحيط بكليوباترا ينحى باللائمة على أنطوني، ويلومه على عدم إحساسه، وعلى طبيعته التي تميل إلى القسوة وتجعله يترك امرأة مسكينة تتوقف حياتها عليه، وعليه وحده، تموت بهذا الشكل. حقا إن أوكتافيا كانت زوجته، ولكن كليوباترا الملكة المتوجة على عدة ممالك قنعت بأن تعرف كخليلته، فإذا انفصلت عنه لم تكن تقوى على احتمال الحياة بعد ذلك.»
كانت كليوباترا تطالب أنطوني بالإمبراطورية الرومانية ثمنا لحبها، ووعدها هو بأن يدفع لها هذا الثمن الغالي؛ إذ كان يظن الرومان شعبا سهل القياد، وكأنه نسي نفسه ونسي وطنه ونسي شعاره، وانقلب حتى أصبح ألعوبة في يد امرأة لا يتحدث عنها الناس بغير ألفاظ الازدراء.
وأخذت تحرضه على أن يخطو خطوة إلى الأمام في سبيل الوصول إلى مركز إمبراطور العالم، وبعثت في نفسه شيئا من طموحها وحماسها، فاستيقظ من سباته وبدأ يعمل بنشاط، وأقلع في شتاء سنة 33ق.م. من الإسكندرية بأسطوله ومعه كليوباترا يريد غزو روما. وكانت كليوباترا قد أقسمت أمام الجماهير المحتشدة قبل إبحارهما أن تجلس هي وابنها قيصرون في الكابيتول.
وصلت في ذلك الوقت إلى قمة عظمتها، وبدأت الحملة التي كانوا يأملون من ورائها أن يسجد العالم عند أقدام أنطوني، وأخذت كليوباترا تحرض رجلها على أن يطلق زوجته الرومانية أوكتافيا. وكان هذا دليل إيمانها بالنصر القريب. وحكمت كليوباترا مدة من الزمان في أثينا كأنها ملكة العالم، ولكن الأمور بذلك الجيش العظيم لم تكن على ما يرام؛ إذ إنه عندما ظهر جيش أوكتافيوس دب الانقسام في جيش أنطوني، حتى هجر بعض الجنود معسكره، وانضموا إلى جيش الإمبراطور، وأخذ بعضهم يحرض كليوباترا على العودة إلى مصر، ولكنها رفضت وفضلت الانتظار.
وا أسفاه على آمالها التي انهارت! فلقد انجلت موقعة أكتيوم عن هزيمة جيوش كليوباترا وأنطوني، واضطرت الملكة المسكينة إلى العودة في الحال إلى مصر ومعها زوجها البائس الشقي.
هنا يختفي اسم أنطوني بعد أن أصبح قليل الجدوى بالنسبة لكليوباترا، ولكنه اضطر إلى العيش بمصر بما كانت تجود به عليه، وكانت معيشته أشبه بالاستغفار والندم على ما فات. كان قلبها قد صدم، ولكن روحها ظلت حية تدفعها إلى العمل؛ فأخذت تعقد المحالفات لتأمين سلامة الحدود المصرية وتوسيعها إذا أمكن، وأخذت تهب العروش لأبنائها وقوادها.
صفحة غير معروفة