99

إذا نوى مولاه السفر ، ومقيما إذا نوى الإقامة. حجة من قرأ «ملك» أن كل واحد من أهل البلد يكون مالكا ، والملك لا يكون إلا أعلاهم شأنا. وأيضا ( قل أعوذ برب الناس ملك الناس ) [الناس : 1 ، 2] لم يقرأ فيه غير «ملك» فتعين. وأيضا الملك أقصر ومالك يلزم منه تطويل الأمل فإنه يمكن أن يدركه الموت قبل تمام التلفظ به. وأجيب بأن العزم يقوم مقام الفعل لو مات قبل الإتمام ، كما لو نوى بعد غروب الشمس صوم يوم يجب صومه بخلاف ما لو نوى في النهار عن الغد. ثم يتفرع على كل من القراءتين أحكام ، أما المتفرعة على الأول فقراءة «مالك» أرجى من قراءة «ملك» لأن أقصى ما يرجى من الملك العدل والإنصاف وأن ينجو الإنسان منه رأسا برأس ، والمالك يطلب العبد منه الكسوة والطعام والتربية والإنعام

** «يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا

عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم

إلا كل قوي سوي ويترك من كان مريضا عاجزا ، والمالك إن مرض عبده عالجه ، وإن ضعف أعانه. الملك له هيبة وسياسة ، والمالك له رأفة ورحمة واحتياجنا إلى الرأفة والرحمة أشد من احتياجنا إلى الهيبة والسياسة. وأما المتفرعة على الثانية فإنه في الدنيا ملك الملوك ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ) [آل عمران : 26] وفي الآخرة لا ملك إلا هو ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [غافر : 16] وملكه لا يشبه ملك المخلوقين لأنهم إذ بذلوا قلت خزائنهم ونفدت ذخائرهم ، وأنه سبحانه كلما كان أكثر عطاء كان أوسع ملكا. فإن أعطاك عشرة أولاد زاد في ملكه عشرة أعبد. ومن لوازم ملكه كمال الرحمة فلهذا قرن بقوله «ملك يوم الدين» قوله «رب العالمين الرحمن الرحيم» ومثله ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) [الفرقان : 26] ( قل أعوذ برب الناس ملك الناس ) [الناس : 1 ، 2] فمن اتصف بهذه الصفة من ملوك الدنيا صدق عليه أنه ظل الله في الأرض. الكفر سبب لخراب العالم ( تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا. أن دعوا للرحمن ولدا ) [مريم : 90] والطاعة تتضمن صلاح المعاش والمعاد ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) [النحل : 97] فعلى الناس أن يطيعوا ملوكهم ، وعلى الملوك أن يطيعوا مالك الملك حتى تنتظم أمور معاشهم ومعادهم لما وصف نفسه بأنه «ملك يوم الدين» أظهر للعالمين كمال عدله بنفي الظلم تارة ( وما ربك بظلام للعبيد ) [ق : 29] وبثبوت العدل أخرى ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ) [الأنبياء : 47] فلا

صفحة ١٠١