وذكروا في حق البخاري ومسلم اللذين هما أجل أرباب الصحاح عندهم وأصحهم خبرا ما يخالف الإجماع، وهو احتجاجهما بجماعة لا تحصى، مجهولة الحال، لرواية جماعة عنهم بل لرواية الواحد عنهم، مع أن هذا الواحد لم ينص على قدح أو مدح في المروي عنه، ولنذكر بعض من اكتفيا في الاحتجاج بخبره بمجرد رواية الواحد عنه، لتراجع تهذيب التهذيب فترى صدق ما قلناه، فمنهم محمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب، ومحمد بن النعمان بن بشير، فإن البخاري ومسلما احتجا بهما ولم يرو عن كل منهما سوى الواحد، ومنهم عطاء أبو الحسن السوائي، وعمير بن إسحاق، ومالك بن جشعم، ومبارك بن سعيد اليماني، ونبهان الجمحي، فإن البخاري أخرج عنهم في صحيحه، ولم يرو عن كل منهم غير الواحد، ومنهم قرفة بن بهيس العبدي، ومحمد بن عبد الله بن أبي رافع الفهمي، ومحمد بن عبد الرحمن بن غنج، ومحمد بن عبد الرحمن مولى بني زهرة، ومحمد بن عمرو اليافعي، ونافع مولى عامر بن سعيد بن أبي وقاص، ووهب بن ربيعة الكوفي، وأبو شعبة المري مولى سويد بن مقرن، فإن مسلما احتج بهم في صحيحه، ولم يرو عن كل منهم غير الواحد، ولا موثق لهم أصلا، وليسوا من أهل زمن الشيخين حتى يقال: إنهما يعرفان وثاقتهم بالاطلاع.
نعم ذكر ابن حبان بعضهم في الثقات كما هي عادته في مجاهيل التابعين فلا عبرة به، مع أنه متأخر الزمان عن البخاري ومسلم، فلا يمكن أن يعتمدوا على توثيقه، وهذا النحو كثير جدا في الصحيحين وبقية صحاحهم، وكم رووا عمن نص على جهالته كما ستعرف أقل القليل منهم قريبا عند ذكر الأسماء.
وقال في ميزان الاعتدال بترجمة حفص بن بعيل بعد ما ذكر قول ابن القطان فيه لا يعرف له حال قال: لم أذكر هذا النوع في كتابي، فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذلك الرجل وأخذ ممن عاصره، ما يدل على علاته، وهذا شيء كثير، ففي الصحيحين من هذا النمط خلق كثير مستوون، ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل. أي: ليسوا بمجاهيل النسب وإن كانوا مجاهيل الأحوال كما قال ابن القطان، وأنت تعلم انه لا يكفي في اعتبار الرجل والاحتجاج بخبره مجرد عدم تضعيف أحد له، بل لا بد من ثبوت وثاقته، وأما حكمه باستوائهم فغير مستو بعد فرض الجهالة بأحوالهم، على أنه غير نافع في الاحتجاج بأخبارهم ما لم تثبت وثاقتهم.
صفحة ١٧