أن يصمدوا ويعملوا أي عمل آخر شريف يعيشون منه مدة الإضراب.
وحدث أنه وجد ضعفا من العمال المضربين في «أحمد باد» فأعلن عزمه بينهم بأنه سيصوم حتى يسوى الإضراب، وصام ثلاثة أيام وتمت التسوية. ومن ذلك الوقت صار يصوم كلما رأى تهاونا من أتباعه، وذلك أنه وجد أنه يستطيع أن يخجلهم بما يتحمل من آلام ومشقات حتى يتحملوا هم ما يتجلدون به وقت الأزمات.
وبقي غاندي إلى سنة 1919 وهو يقول بوجوب الولاء للإمبراطورية البريطانية، وأن حكم الإنجليز هو الحكم الذي يجب أن يبقى وتتحدد فيه الولايات الهندية. وقصارى ما على الهنود أن يطلبوا الإصلاح والتدرج إلى الاستقلال الداخلي، بحيث تصير الهند مثل أستراليا أو كندا، أي قطرا مستقلا داخل الإمبراطورية. ولكن حدث في تلك السنة أن شغب الناس، واشتد الشغب في مدينة «أمريتسار» حتى قتل عدد من الإنجليز رجالا ونساء. وعلم الجنرال «داير» الإنجليزي أنه سيعقد اجتماع علني في أحد الميادين، فحصر المجتمعين، وأغلق بالجنود نوافذ الميدان، ثم أطلق النار على المجتمعين فحصدهم حصدا في مدة عشر دقائق. وقد اعترف هذا الجنرال السافل في التحقيق أنه كان يمكنه أن يشتت المجتمعين دون أن يحتاج إلى قتل واحد منهم ولكنه تعمد القتل لكي يلقن الهنود درسا في احترام السلطان البريطاني. وهذا الدرس هو قتل 400 هندي أعزل.
وانتهت هذه المجزرة بطرد داير من الجيش الهندي، ولكن الإنجليز المقيمين في الهند جمعوا له 10000 جنيه وسيفا من الذهب أهدوه إليه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى صار جميع المعتدلين الذين كانوا يقولون بتدرج الهنود للحكومة الذاتية يطلبون الاستقلال التام. وعلى رأس هؤلاء غاندي الذي وصف الحكومة الإنجليزية في الهند بأنها حكومة الأبالسة.
ولكن من الآن، أي إلى حوالي سنة 1919، كان المسلمون يخشون حركة الاستقلال الهندي لأنهم قلة في جانب كثرة من الهندوكيين. وكل من الطائفتين تكره الأخرى كراهة صماء عمياء. ولكن حدث أن الحلفاء ضيقوا الخناق على تركيا، وكانت في ذلك الوقت «الدولة العثمانية» أي دولة الخلافة. ولما كانت بريطانيا على رأس الحلفاء في حركة تمزيق الدولة العثمانية هاج المسلمون الهنود على الإنجليز ووجدوا من عداواتهم لهم ما يربطهم بالهندوكيين في طلب الاستقلال، فاتحدت الطائفتان من ذلك الوقت. وشرع غاندي يفكر في الطرق التي يجب على الهنود اتخاذها لحركة العصيان المدني، وقد لجأ أولا إلى التجار والموظفين فوجد منهم صدودا، فعمد إلى الشبان والطلبة وناشدهم حق الوطن، فلبوا واستجابوا لدعوته وهم إلى الآن الطائفة التي يعتمد عليها في قيادة الشعب.
وقد اتخذ العصيان المدني جملة أشكال، فكان أول أشكاله مقاطعة الأقمشة الأجنبية، وجمع غاندي 10000000 روبية لتغذية هذه الحركة. وقد أراد أن يسيرها في طريق السلم ولكن الحركة خرجت من سيطرته فاتجهت نحو العنف، ووقع الشغب في أماكن مختلفة وقبضت السلطة البريطانية عليه. وقد عومل في المحكمة بالاحترام، إذ وقف له القاضي الإنجليزي وشاوره في الحكم. وهذا أغرب حادثة حدثت في تاريخ القضاء في العالم، إذ يستشير القاضي المتهم في شأن العقوبة التي يريد أن ينزلها به. ولم يكن بين الاثنين خلاف بشأن الوقائع والتهم، وإن كان الخلاف بشأن المبادئ. أو كما قال الأديب الفرنسي «رومان رولان» إنه كان بينهما صراع: غاندي يمثل الكرامة الإنسانية، والقاضي يمثل الإمبراطورية البريطانية. •••
قال القاضي: أنت تعرف أن «طيلاك» عوقب بالسجن ست سنوات لأقل من هذه التهم التي اتهمت بها.
فقال غاندي: إنك تكرمني أعظم إكرام حين تضعني في صف الوطني طيلاك وتكرمني أيضا حين تعاقبني بعقوبته.
فحكم القاضي بالحكم وهو يقول إنه لن يسر أحد بمثل سروره حين يعرف أن الحكومة قد خففت الحكم. •••
قال «بيرسون» إن محاكمة غاندي ودفاعه هما قصة تؤثر وتحفظ كما تحفظ آيات الكتاب المقدس أو محاكمة سقراط.
صفحة غير معروفة