قالت: لا أدري أين ينبغي أن تذهب، ولكني لا أريد أن يذهب معي أحد.
قال: ماذا تقولين؟ إذا كنت تعدين اقترانك بالخليفة نعمة فلماذا تريدين حرماني منها؟ إني لأرجو إذا صرت أنت زوجة أمير المؤمنين أن تساعديني في إطلاق سراح عبد الرحمن؛ لأنك ستتسلطين على قلب الخليفة ولا أظنه يرفض لك طلبا، وربما وصلنا بوساطتك إلى مناصب رفيعة. قال ذلك وهو يراقب ما يبدو منها وعيناه شاخصتان إليها.
أما سلمى فحدقت ببصرها إليه وهي تشك في صدق كلامه ثم قالت: أصحيح ما تقوله يا عماه؟ هل تقرني على الذهاب إلى الخليفة؟ أقسم بعبد الرحمن أنك تسمح لي بذلك.
قال: نعم يا سلمى، إنه صحيح لا ريب فيه، وأقسم لك.
قالت: أطعني إذن ودعني أذهب وحدي.
قال: ولماذا؟ إني لأعجب من أمرك. أكلما جاريناك في غريبة أتيتنا بغريبة أخرى. إن إصرارك على منعي من ذهابي معك لأغرب من قبولك الذهاب. ما هذا يا سلمى؟ قال ذلك والأسف والعتاب باديان في عينيه، ولكنه لم يكد يتم قوله حتى رأى وجه سلمى قد علته أمارات الكآبة والغضب، فتقطب حاجباها وتوقدت عيناها وقد زادهما الاحمرار بريقا حتى لم يعد عامر يستطيع النظر إليها، ثم وقفت بغتة وتحولت من السكون والرقة إلى الخفة والشدة وقالت: أتظنني ذاهبة للاقتران بيزيد؟!
قال: وفيم أنت ذاهبة إذن؟
فمدت يدها إلى جيبها واستلت خنجرا كانت قد خبأته فيه وقالت: إني ذاهبة لأقتله بهذا الخنجر.
فأجفل عامر، وأكبر شجاعة سلمى، وقال: لكن كيف تفعلين ذلك يا سلمى؟ وكيف أرضى بأن تفعليه؟! إننا ما زلنا نشكو من اندفاع عبد الرحمن وعدم تبصره، وأراك تندفعين إلى ما هو أشد منه خطرا.
فقالت: وقد هاجت عواطفها: أتعلم أن عبد الرحمن مهدد بالقتل ثم تمنعني من الذهاب إليه، وتلومني على رغبتني في اللحاق به؟! وكيف يدعونا يزيد إلى أن نسير إليه ويمكننا من التحكم فيه ولا نرضى؟! نعم إني عددت عمل عبد الرحمن تهورا لأنه اقترب من يزيد وحوله الخدم والأعوان، ولكن يزيد يدعوني إلى الزواج به، وهي فرصة ينبغي ألا أضيعها. أم تريد أن أخاف على حياتي فأترك عبد الرحمن في خطر القتل وهو في قبضة يزيد؟ دعني أذهب إليه فإما أن أقتل يزيد وأنقذ الإسلام من شره وأنتقم لأبي، وإما أن أموت فداء حبيبي، أو نموت جميعا. لا تقف في سبيلي إني ذاهبة إلى يزيد رضيت أم لم ترض.
صفحة غير معروفة